الأربعاء، 18 أغسطس 2010

الطفل - المتطفل - واللا طفل !






















السلام عليكم,






كنت في أحد المدن الريفية النائية أتفقد المكان وإمكانية تواجد حياة طبيعية بها كالتي نحياها في بلادنا, وكان الجو شديد الحرارة يومها, والرطوبة عالية حيث كانت هنالك بحيرة تضخ سمومها في الهواء, وفي بعض البقع بدت كالمستنقع المتفجر بالحشرات التي تقفز على السطح, والطفيليات تسبح في العمق, وأشياء أخرى تقفز لا تدري إن كانت حشرات أم حيوانات أم نباتات لديها كهرباء زائدة. المهم أني تركت كل ذلك وهممت بالبحث سريعا عن مصدر للحياة, أو حانة أستطيع منها شراء الماء والطعام, ولكن بين البيوت الريفية المتراصة بعضها بجانب بعض لم أجد ضالتي, وتحت أشعة الشمس الحارقة لم أجد بدا من متابعة السعي والسير حيث أنه لا خيار آخر لدي سوى ذلك, وكافأني الله أخيرا أن وجدت حانة صغيرة تبيع بعض الطعام والمياه المحلية التي تسد الظمآ ولكن طعمها قميء وبذيء ورديء, المهم أن الطعام كان كفيلا بتدمير وإذابة آثار المياه, ورجعت مسرورا عائدا إلى حيث أستقر, في بيت صغير كالكوخ الذي نراه في كتب وقصص الاطفال, وفي طريقي بدات أتذكر هيئة تلك الأكواخ ومحتواها الداخلي البسيط الذي رأيته في الصور وأنا صغير, وها أنا أراه حقيقة ويقين الآن, فجأة قابلت مجموعة من الأطفال, طفلتين وطفلين, هممت بالتقاط آلة التصوير وأعددتها لتصوير صوت وصورة متحركة (فيديو), واقتربت بعفوية المتطفل على طفل ذكي تلمع عينيه ويرمق الشخص الغريب المتطفل (أنا) بعمق وحذر, كل طفل منهم بدت عيناه محدقتين في جزء معين من جسدي الكبير بالنسبة لهم, وما إن اقتربت من الفتاة الأولى حتى بدأت تهتز يمينا ويسارا كالراقصة الأنيقة الواثقة من نفسها, ولكنها كانت حركة لا إرادية عند الطفل تحدث عند القلق المفرط أو السعادة المفرطة, وما إن سألتها مبتسما عن إسمها, حتى قالت إسمها بخجل, فأدركت أنها سعادة مفرطة, فأنا غريب تماما بالنسبة للأطفال, و الغريب عندما يتحدث لغتهم ويهتم بهم فهو شيء عجيب وغريب والطفل يهوى المجهول والغير معتاد, اقترب الآخرون واحدا تلك الآخر, وبدأنا تبادل الابتسامات, وبدأت أسألهم عن عمرهم وأسمائهم وهل لديهم إخوة أو أخوات, ودار حديث قصير وفجأة لمعت عيني أحد الأطفال وسألني مباغتا: (من أين أنت؟), قلت له أنا من مصر !! أنا مصري, قال الآخر: ها, نعم, إنه مكتوب على قميصك مشيرا إليه, قلت له نعم نعم :), قال الأول: أهذا مكتوب بلغتنا؟ فلت له, أجل بالطبع بلغتكم, فقد كنت أرتدي قميصا عليه اسم مصر بلغتهم.












أدركت بعد هذا الحوار القصير الفارق البسيط بين طفلنا المصري, وطفلهم, طفلنا خجول لدرجة السماجة (الرخامة), طفلنا ذكي لدرجة اليأس (كئيب), طفلنا تظهر عليه الصحة لدرجة أنه مغمض نصف عينه معظم الوقت, طفلنا جريء لدرجة أنه يوفر هذه الجرأة عندما يكبر, ولكن الآن هو جبان مريض جسديا وذهنيا ومعظمهم يعاني التوحد, والرخامة والغلاسة وعدم الاكتراث أو الاحترام للكبار. هذا ما لمسته في 10 دقائق فقط مع أربعة أطفال من الريف الغير مصري, يرتدون ملابس بسيطة ويعيشون حياة بسيطة في مكان ملوث حار ومليء بالحشرات والحشائش الضارة, لهم أب وأم بسطاء يكدون ليل نهار من أجل فتات قليل يسد رمق تلك الأطفال بالكاد الذين تعودوا كالكبار هناك على الطعام البسيط والمختصر, الأباء هنا قاسون وحازمون ومصرون على تعليم الأطفال النظام مهما كلف الأمر, لا يجد الأطفال ذلك الحنان والرفق في المعاملة من الوالدين كما لدينا في مصر, وهنا عرفت فعلا في 10 دقائق أو أكثر قليلا الفرق بين الطفل هناك واللاطفل هنا, فعلا من يقتنيهم الآباء والأمهات هذه الأيام في مصر ليسوا أطفالا, هي مجرد مقتنيات لأشباه أطفال أو لا أطفال, أما المتطفل فهو شخص مثلي, بالنسبة للاطفل في مصر فهو متطفل, أما بالنسبة للطفل هناك فهو زائر غريب, من الممتع التحدث معه والتعرف عليه!!












مرفق بالتقرير صور للأطفال