الأربعاء، 18 أغسطس 2010

الطفل - المتطفل - واللا طفل !






















السلام عليكم,






كنت في أحد المدن الريفية النائية أتفقد المكان وإمكانية تواجد حياة طبيعية بها كالتي نحياها في بلادنا, وكان الجو شديد الحرارة يومها, والرطوبة عالية حيث كانت هنالك بحيرة تضخ سمومها في الهواء, وفي بعض البقع بدت كالمستنقع المتفجر بالحشرات التي تقفز على السطح, والطفيليات تسبح في العمق, وأشياء أخرى تقفز لا تدري إن كانت حشرات أم حيوانات أم نباتات لديها كهرباء زائدة. المهم أني تركت كل ذلك وهممت بالبحث سريعا عن مصدر للحياة, أو حانة أستطيع منها شراء الماء والطعام, ولكن بين البيوت الريفية المتراصة بعضها بجانب بعض لم أجد ضالتي, وتحت أشعة الشمس الحارقة لم أجد بدا من متابعة السعي والسير حيث أنه لا خيار آخر لدي سوى ذلك, وكافأني الله أخيرا أن وجدت حانة صغيرة تبيع بعض الطعام والمياه المحلية التي تسد الظمآ ولكن طعمها قميء وبذيء ورديء, المهم أن الطعام كان كفيلا بتدمير وإذابة آثار المياه, ورجعت مسرورا عائدا إلى حيث أستقر, في بيت صغير كالكوخ الذي نراه في كتب وقصص الاطفال, وفي طريقي بدات أتذكر هيئة تلك الأكواخ ومحتواها الداخلي البسيط الذي رأيته في الصور وأنا صغير, وها أنا أراه حقيقة ويقين الآن, فجأة قابلت مجموعة من الأطفال, طفلتين وطفلين, هممت بالتقاط آلة التصوير وأعددتها لتصوير صوت وصورة متحركة (فيديو), واقتربت بعفوية المتطفل على طفل ذكي تلمع عينيه ويرمق الشخص الغريب المتطفل (أنا) بعمق وحذر, كل طفل منهم بدت عيناه محدقتين في جزء معين من جسدي الكبير بالنسبة لهم, وما إن اقتربت من الفتاة الأولى حتى بدأت تهتز يمينا ويسارا كالراقصة الأنيقة الواثقة من نفسها, ولكنها كانت حركة لا إرادية عند الطفل تحدث عند القلق المفرط أو السعادة المفرطة, وما إن سألتها مبتسما عن إسمها, حتى قالت إسمها بخجل, فأدركت أنها سعادة مفرطة, فأنا غريب تماما بالنسبة للأطفال, و الغريب عندما يتحدث لغتهم ويهتم بهم فهو شيء عجيب وغريب والطفل يهوى المجهول والغير معتاد, اقترب الآخرون واحدا تلك الآخر, وبدأنا تبادل الابتسامات, وبدأت أسألهم عن عمرهم وأسمائهم وهل لديهم إخوة أو أخوات, ودار حديث قصير وفجأة لمعت عيني أحد الأطفال وسألني مباغتا: (من أين أنت؟), قلت له أنا من مصر !! أنا مصري, قال الآخر: ها, نعم, إنه مكتوب على قميصك مشيرا إليه, قلت له نعم نعم :), قال الأول: أهذا مكتوب بلغتنا؟ فلت له, أجل بالطبع بلغتكم, فقد كنت أرتدي قميصا عليه اسم مصر بلغتهم.












أدركت بعد هذا الحوار القصير الفارق البسيط بين طفلنا المصري, وطفلهم, طفلنا خجول لدرجة السماجة (الرخامة), طفلنا ذكي لدرجة اليأس (كئيب), طفلنا تظهر عليه الصحة لدرجة أنه مغمض نصف عينه معظم الوقت, طفلنا جريء لدرجة أنه يوفر هذه الجرأة عندما يكبر, ولكن الآن هو جبان مريض جسديا وذهنيا ومعظمهم يعاني التوحد, والرخامة والغلاسة وعدم الاكتراث أو الاحترام للكبار. هذا ما لمسته في 10 دقائق فقط مع أربعة أطفال من الريف الغير مصري, يرتدون ملابس بسيطة ويعيشون حياة بسيطة في مكان ملوث حار ومليء بالحشرات والحشائش الضارة, لهم أب وأم بسطاء يكدون ليل نهار من أجل فتات قليل يسد رمق تلك الأطفال بالكاد الذين تعودوا كالكبار هناك على الطعام البسيط والمختصر, الأباء هنا قاسون وحازمون ومصرون على تعليم الأطفال النظام مهما كلف الأمر, لا يجد الأطفال ذلك الحنان والرفق في المعاملة من الوالدين كما لدينا في مصر, وهنا عرفت فعلا في 10 دقائق أو أكثر قليلا الفرق بين الطفل هناك واللاطفل هنا, فعلا من يقتنيهم الآباء والأمهات هذه الأيام في مصر ليسوا أطفالا, هي مجرد مقتنيات لأشباه أطفال أو لا أطفال, أما المتطفل فهو شخص مثلي, بالنسبة للاطفل في مصر فهو متطفل, أما بالنسبة للطفل هناك فهو زائر غريب, من الممتع التحدث معه والتعرف عليه!!












مرفق بالتقرير صور للأطفال












الجمعة، 10 أبريل 2009

السلام عليكم,
لفت انتباهي مقالا في جريدة الأهرام ليوم الجمعة العاشر من أبريل 2009, وكان بخصوص مطار القاهرة كواجهة لمصر وأنه يجب الاعتناء به أكثر من ذلك... ولي تعليق, بل تعليقات كثيرة تخص هذه المسألة, لدي 9 ملاحظات:

1- النظافة العامة لحوائط وكبائن وممرات المطار في صالة الوصول تجديدا, لقد لاحظت مؤخرا تحسن شكل ومستوى صالات السفر والوصول ونشكر من قام على ذلك بالطبع ولكن لم يصل للقدر المطلوب بعد, فآثار الأحذية على الحوائط ظاهر, ومستوى دورات المياه تحسن ولازال له نفس الرائحة ونسبة مناسبة من القذارة ! كما أن نظافة الأرضيات من الواضح أنه ليس هناك نظام دوري فوري لها, حيث أنه من الواضح أن نظافتها تعتمد على المزاج أو كل ما ربنا يسهل.. أو ربما يتم تنظيفها كل يومين وليس كل ساعتين.

2- العاملين في المطار, وضح تحسن كبير في شكل ولياقة العاملين في المطار مؤخرا, والمعاملة نفسها تحسنت, ولكن لا يزال لدينا مشكلة من رجال الأمن والمساعدين لأفراد الجمارك (الذي أحمد الله أنهم غيروا زيهم أخيرا!), فمازال مظهرهم غير لائق كواجهة لمصر, كما أن مساعدين رجال الجمارك يا يزالون على نهج: (كل سنة وإنتا طيب يا باشا!) ويقومون بأدوار الرزالة على القادمين من الخارج لأرض الكنانة مصر.

3- حافلات نقل الركاب تعتبر جيدة جدا ولا أري فيها مشكلة سوى موضوع التقاطر غير المنظم والسائقين الغير مهذبين أحيانا ولا يحترمون جدول تحرك ثابت, ونجده يخرج علينا والسيجارة بيد واليد الأخر لقمة خبز يستعد لالتهامها في فمه الذي لا تراه من كثافة الساتر المنيع الذي يدعى (شارب) وهو كخط بارليف لا أدري كيف يخترقه الطعام أو حتى السيجارة الرقيقة المرهفة ! رجاء مراجعة مواعيد الحافلات وشكل السائق وتصرفاته. كما أتمنى إلغاء تربية الشارب في المطار كما ألغيت اللحية من قبل !! حيث أن الشارب قد أسيء استخدامه!

4- المطاعم والاستراحات تحسنت كثيرا من قبل, شكرا لوزير الطيران على هذا المجهود, ولكن ينقصها اللمسة الأنيقة المحترفة, كأنظمة الإضاءة واستخدام الألوان بدلا من اللون الأبيض الطاغي والذي يظهر العيوب أكثر من الميزات ! كذلك من الأكثر جدوى تواجد مطاعم الوجبات السريعة الشهيرة كمكدونالدز وبرجر كنج وبيتزا هت ومؤمن وكوك دور, أو حتى عمو حسني !! فهذا أجدى وأنفع من تقديم بعض الكيك والحلوى والشاي والقهوة والناس على لحم بطنها منتظرين طائرة أخرى في صالة الترانزيت من 5 ساعات أو أكثر !! وأحيانا ينزل الناس مسرعين من بيوتهم لكي يلحقوا بطائرة في منتصف الليل, فربما يحتاجون لوجبة سريعة قبل السفر على الطائرة التي في الغالب تقدم وجبة لا تغني ولا تسمن من جوع وربما تكون ساندويتش من الجبن ولحم الخنزير الذي لا يأكله الكثيرين ...

5- وسائل الإتصال ومراكز الخدمات, أو ما يدعى مركز خدمة رجال الأعمال, ففي معظم المطارات وجدت هذه الخدمات رغم صعوبتها في بعض الدول الغلبانة, ولكني طالما وجدتها لديهم ولم أجدها عندنا ! فلم لا يكون هناك مركز للانترنت والتصوير والمسح الضوئي والفاكس والإتصالات ؟ مركز كبير وليس غرفة صغيرة ! فهو شيء مهم جدا يجب أن يتواجد لدينا في المطار والمكان المطلوب لهذه الخدمات موجود !!

6- الإعلانات داخل المطار, يجب عمل مسح شامل لمساحات المطار والاهتمام بنوعية وشكل الإعلانات فيه, فلقد وجدت الإعلانات محدودة وشكلها عرة للغاية !!

7- يجب عمل منطقة معينة للذين يدخلون لاستقبال الناس من داخل صالة الوصول, حيث يقف الناس حاملين لوحات الأسماء بشكل مشرذم وغير منظم ويعيقون كل المارة وبعضهم يسألون كل شخص يمر أمامهم غذا كان هو الشخص المكتوب إسمه على اللوحة التي يحملها !! وكأنه يجبره على أن يكون هذا الشخص!!! بطريقة (إنتا جون إدوارد؟؟ نو ! لأ إنتا جون إدوارد ... لن أتركك تمر دون أن تعترف أنك جون إدوارد !!). رجاء عمل منطقة جانبية معزولة لهؤلاء الناس, أو لا يدخلوا اساسا لهذه المنطقة الضيقة نسبيا ولا تسمح بالإعاقات الغير مشروعة بهذا الشكل المقزز.

8- المواصلات من وإلى المطار, مشكلة كبيرة قديمة لا حل لها !! لم لا تقوم الوزارة بعمل أوتوبيسات نظيفة مكيفة لنقل الركاب من وإلى المطار ومجهزة بشاشة تعرض مواعيد الإقلاع والهبوط للرحلات وأرقامها وبعض أرقام الإستعلامات والخدمات في المطار وبعض الإعلانات عن الفنادق والخدمات السياحية..؟؟ وتكون هذه الأتوبيسات المقترحة تقلع من التحرير والجيزة (الدقي والمهندسين) ومدينة نصر ومصر الجديدة, أو توزيع هذه المناطق على خطين أو ثلاثة, وتكون التذكرة موحدة بسعر 15 أو 20 جنيها, وأن تكون مواعيدها ثابتة ومحددة ومعلنة على موقع المطار الإلكتروني, ورجاء أيضا توفير موقف لتاكسي العاصمة الذي رعته الدولة بقوة في المطار, فقد بحثت عنه شخصيا في المطار في كل مكان ولم أجد له أثر !! ووجدت فقط بعض أفراد العصابة التي تسمى سائقي التاكسي ! فالواحد منهم يعرض 60 جنيها كحد أدنى للخروج من المطار حتى وإن كنت ساكن في مساكن شيراتون أو في مدينة نصر بجوار المطار في توصيلة عمرها أقل من 15 دقيقة ! موضوع الأوتوبيسات أسرع للتنفيذ من مترو الأنفاق الذي سيصل للمطار بعد 4 أو 5 سنوات, ومن الصعب حمل حقائب كبيرة فيه بطبيعة الحال, وللعلم فإن مطارات دول كثيرة حول العالم لديها خدمة الأوتوبيسات والمترو وحتى التاكسي من المطار وإلى أنحاء العاصمة من أكثر من 10 سنوات! وأسعارها محددة وثابتة ومعقولة مقارنة بأسعار الدولة, فعلى سبيل المثال في كييف عاصمة أوكرانيا لديها خدمة الحافلات التي تنقل الركاب من المطار للعاصمة بما يعادل 15 جنيها والعودة للمطار بما يعادل 18 جنيها, وفي استانبول عاصمة تركيا نجد التاكسي له تعريفة ثابتة حسب عدد الكيلومترات وله موقف محترم وشكل مقبول جدا, والسائق لا يستغلك, فعلى قدر السير تدفع, لتصل من المطار لقلب العاصمة تدفع حوالي 110 جنيها لمسافة 25 كيلومترا. وهناك المترو من قلب المطار لجميع أنحاء العاصمة بسعر ثابت يوازي 5 جنيهات تقريبا.

9- العلامات الإرشادية ومكان مناسب للصلاة في المطار, وأماكن إرضاع الأطفال والرعاية بهم نحتاج إليها في المطار ايضا !! وأقترح عمل زي موحد لعمال النظافة داخل المطار, كذلك أفراد الشرطة العاملين بالمطار من الضروري أن يكون لهم زي خاص أنيق ومهندم يعكس عراقة مصر وقوة أمنها, وأيضا لوحات الترحيب والتعريف بمصر في صالات الوصول ضروري, وهناك نقص حاد في أعلام مصر ليس فقط في المطار ولكن في كل أنحاء البلاد !! فأقترح عمل لوجو أو شعار سياحي جذاب يحمل علم مصر وإسمها ويتم نشره في المطار وعلى البوابات, يجب أن يشعر الزائر أن هذه البلد لها هوية وشعار وإسم يستطيع أن يراه أمامه, فكم ينبهر الناس عندما يرون أي رمز عليه الأهرامات أو أبو الهول أو حورس !! وحتى إن كان منتجا إسرائيليا عليها هذه العلامة !! فيجب الانتباه لتلك الأشياء البسيطة التي تعني الكثير..

الأربعاء، 25 مارس 2009

ساعة الحسم - تسلسل العمليات في ميدان المعركة (6 أكتوبر 1973)

السلام عليكم,
كنت قد نوهت عن نتائج حصار الجيش الثالث في المفاوضات, ولكن نظرا لأنها مؤلمة وغير مشرفة على الإطلاق, فقد آثرت أن أنشر صفحة مشرقة اليوم, على أن أنشر نتائج الحصار فيما بعد.

في غرفة العمليات في المركز 10 كان رئيس الجمهورية ومعه وزير الحربية والقادة في أماكنهم من الصباح, صباح السادس من أكتوبر لعام 1973, وتم تحديد الوقت المحدد لعبور الموجة الأولى من المشاة هو الساعة 14:30, ولكن هناك الكثير من المهما الأخرى التي سيجري تنفيذها قبل ذلك, ومنها مهمة توجيه ضربة جوية بقوة 200 طائرة, وتم التخطيط على أن تعبر الطائرات على ارتفاع منخفض (وهي قدرات تحتاج تدريب كثير ودقيق ومهارة من الطيار في قيادة الطائرة وخبرته بمكان الطيران من ناحية أخرى), وكان ذلك في الساعة 14:00, ولحظة عبور الطائرات لخط القناة ستبدأ المدفعية بعملية القصف التحضيري المكثف بطول الجبهة في عملية أخرى.

المهمة الأخرى هي تسلل عناصر استطلاع المهندسين وعناصر من الصاعقة مصاحبة لها إلى الشاطىء الشرقي للتأكد من إغلاق المواسير التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة وكانت هذه المهمة ستتم في ليلة الخامس من أكتوبر قبل العبور في اليوم التالي. كما تسللت بعض دورياتنا إلى مؤخرة العدو في مهمات استكشافية.

التسلسل الزمني للعمليات:
الساعة 1400:
بدأت أسراب الطيران المصري شق السماء تلمع تحت شمس القاهرة الدافئة في الخريف, لتجوب الصحراء شرقا باتجاه القنا’, وعبرت 200 طائرة قناة السويس على ارتفاع منخفض جدا كاد يلامس الساتر الترابي للعدو في الضفة الشرقية للقناة, وقامت الصقور بالهجوم بعنف وسرعة وهدوء بالعبور على دفعات بطول الساحل الشرقي, وقامت بتوجيه ضربات مركزة على مطارات العدو ومراكز القيادة والرادار والإعاقة الألكترونية والإتصال, كما دمرت جميع مواقع صواريخ هوك المضادة للطائرات, وجزء قليل من المدفعية (وتلك المدفعية المتبقية التي شكلت عبء بعض الشيء في العبور وكانت شديدة التحصين). وبعد عبور الطائرات وبداية القصف بخمس دقائق بدأت رشقات المدفعية المصرية تصب نيرانها في حشد نيراني هائل في سيمفونية حربية ومنظمة رائعة, وبدا المنظر من الأفق كسيل من الماء يأكل اليابس رويدا رويدا في شرق القناة, فقد كان هذا السيل هو قوات العدو المنسحبة هلعا للشرق هربا من النيران التي دكت خط بارليف, واشترك في دك حصون القناة من المدفعية حوالي 2000 مدفع وهاون في حشد نيراني يعد هو الأعلى تاريخيا في تاريخ المدفعية الحديثة في هذا الوقت, حتى أن الخبراء السوفييت لم يصدقوا كم الذخائر التي استنفدت من المدفعية فقط وفي أول يوم!! وكانت المدفعية المصرية في هذه اللحظات تعبر عن نبض الشارع المصري والعربي والذي يبث غله وغضبه بكل ما تعني الكلمات من خلال هذا القصف الصاروخي.

في اثناء هذا القصف كانت عناصر المهندسين على الشاطىء الشرقي بالفعل تتأكد من تمام إغلاق مواسير السائل الملتهب والتأمين عليها في مهمة رجولية شجاعة. وتحت لهيب نيران المدفعية عبرت بعض عناصر الصاعقة البواسل لتسبق العدو في احتلال المواقع والمصاطب التي على خط بارليف بحوالي كيلومتر إلى كيلومترين. وفي هذا الوقت أيضا بدا اللواء 130 برمائي عبور البحيرات المرة من طرفها الجنوبي بقوة 20 دبابة ت76 و80 مركبة توباز. وبدأت سرية مشاة في عبور بحيرة التمساح مستخدمة حوالي 10 مركبات برمائية.

الساعة 1420:
توقفت المدفعية ذات خط المرور العالي عن قصف النسق الأمامي لخط بارليف ونقلت نيرانها إلى العمق حيث النسق الثاني للعدو. قامت المدفعية ذات ذات خط المرور المسطح بالضرب المباشر على مواقع العدو وذلك لإسكات أية نيران يطبقها العدو على مشاتنا أثناء العبور.

وتحت وابل النيران وعلى صوت النداء (الله أكبر) بدات الموجة الأولى تضرب بأقدامها الأرض باتجاه القناة للعبور للضفة الشرقية, وقبل إعطاء الإشارة بالعبور قفزت إلى الماء بعض القوات في حماس وشحن هائل, قفز الرجال في القوارب وأخذت تجدف بحماسة وقوة باتجاه الضفة الشرقية وكان قوام الموجة 4000 رجل من خلال 720 قارب مطاطي.

في أثناء ذلك أين كانت قوات العدو ؟! كانت القوات تتقهقر وقد تم تفتيت من واجه الضربة الأولى من العدو سواءا من مدرعات أو مدافع أو وسائل مساعدة من رادارات أو مراكز إتصال, وقد ابتلعت النيران المشاة المتواجدون في خارج الحصون وهرب الباقين متقهقرين للخلف وقد تم اصطياد بعضا منهم بمعرفة رجال الصاعقة المصرية وقناصتهم. وظهر أن العدو كان على علم مسبق بوجود هجوم مصري متوقع, ولكن تصوراتهم أنها بالمدفعية فقط وعلى نطاق محدود فكان هروبهم للنسق الثاني من المفاجأة ومن باب الاستعداد لردة الفعل والتي حشدها العدو في الساعة 14:30 ولكن رجال الصاعقة المصرية سبقوهم واحتلوا أغلب المصاطب والمواقع قبلهم وكانت ملحمة رائعة تساوي معركة منفصلة على حدة ! وكانت معركة تكتيكية في الإنقضاض والإلتفاف والمفاجأة انتصر فيها الرجل المصري بلا جدال, حيث تغلب رجل الصاعقة في هذه المعركة بالعقل والذراع على جيش مدجج بمدرعات وحصون ومدافع وفي دقائق معدودة.

الساعة 1430:
وصلت الموجة الأولى من المشاة إلى الشاطىء الشرقي للقناة على صوت الله أكبر - الله أكبر, واحتلت بعض أجزاء الساتر الترابي في تنظيم رائع وثقة. كان كل قارب يحمل معه سلالم حبال وعلامة إرشاد كبيرة تحمل رقم القارب, قام أفراد هذه المجموعة بفرد سلالم الحبال وتثبيتها على الساتر الترابي (1440) سلما, وقد استخدمت هذه السلالم في نقف المدافع ذات العجلات وعربات نقل المعدات ايضا. وقد كانت أرقام القوارب من 1 إلى 720 تحدد مكان وصول القوارب وقد روعي أن تكون المسافات الفاصلة بين القوارب 25 مترا بين كل قارب داخل السرية. والفواصل كانت كالتالي:
25 مترا فاصل بين كل قارب داخل السرية
200 متر فاصل بيم كل سرية وأخرى
400 متر فاصل بين كل كتيرة وأخرى
800 متر فاصل بين كل لواء وآخر

وكانت المسافة بين كل فرقة مشاة وأخرى حوالي 15 كم.
بدأت عناصر المهندسين في العمل في فتح الثغرات في الساتر الترابي باستخدام ضغط المياه وقد اشترك في هذا العمل 70 فصيلة مهندسين معهم 350 مضخة مياه. وكانت هذه الثغرات تفتح في الفواصل بين الوحدات الفرعية.

القوارب المطاطية أخذت تذهب وتعود فيما بين طرفي القناة وفي كل منها رجلان من وحدات المهندسين. وفوقها معركة بالنيران بين دباباتنا وأسلحتنا المضادة للدبابات التي تحتل موقعها غرب القناة وبين دبابات العدو تحاول شق طريقها نحو القناة في عدة نقاط في أول ردة فعل من العدو. بالإضافة إلى رشاشاتنا وجميع أسلحتنا ذات خط المرور المسطح بهدف إسكات المواقع الحية في خط بارليف.

الساعة 1445:
عبرت الموجة الثانية من المشاة للقناة وتبعها الموجات الأخرى بمعدل حوالي 15 دقيقة في توقيتات دقيقة للغاية, وقد بلغ القيادة في هذا الوقت بخسائر بلغت 5 طائرات في عملية القصف الجوي بالطيران.

الساعة 1530:
تمكنت الموجة الثالثة والرابعة من شق طريقها شرق القناة, وهكذا أصبح مجموع الجيش العابر 20 كتيبة مشاة قوامها 800 ضابط و13500 جندي بأسلحتهم المحمولة أو المجرورة. وقد تمكنت قوات المشاة من التقدم لمسافة 200 متر شرق القناة بعدما انتقل العبء تدريجيا عليهم في ردع قوات العدو والتمركز وتثبيت الأقدام في الشرق, كانت العمليات تسير في تلاحق سريع ونجاحا تلو الآخر وخسائر محدودة جعلت نسبة الإطمئنان تزداد بمرور الوقت, وقد بدأت المدفعية في تصحيح مسار القصف تدريجيا وتحديد الأهداف بعد وصول المشاة إلى الشرق, وبمساعدة ضباط المدفعية المرافقة للقوات العابرة تطورت دقة المدفعية لتتمكن من كسح أي تقدم معاد في نطاق ال200 متر شرق القناة.

بدأ الطيران الإسرائيلي في الدخول للمعركة والاشتباك في الساعة 15:00 أي بعد ساعة من الهجوم, وتمكن الدفاع الجوي من ردعه وإسقاط 7 طائرات.

الساعة 1630:
تم الانتهاء من عمل 5 رؤوس كباري بمعرفة المهندسين قاعدة كل منها 6 إلى 8 كم وعمقه 2 كم ويحتل رؤوس هذه الكباري ثلاثون كتيبة مشاة قوامها 1500 ضابط و22000 رجل على هيئة 8 موجات عبرت للشرق.
الدفاع الجوي مستمر في مهاجمة طيران العدو, والمدفعية مشتبكة مع الأهداف المحددة من المشاة في الضفة الشرقية.

الساعة 1730:
أصبح لنا 45 كتيبة مشاة قوامها 2000 ضابط و30 ألف رجل في هيئة 12 موجة عبرت القناة, وأصبح عمق رؤوس الكباري للفرق حوالي 3 إلى 4 كم لكل منها.
لا تزال قواة المشاة تقاوم حصون خط بارليف المخبأة وتسقطها واحدة تلو الأخرى.
قوات الشرطة العسكرية عبرت بالقوارب مع المشاة وبدأت تقوم بعملها بتحديد الطرق والكباري في التعرف على اتجاهها حتى لا تضل الطريق عن تحركها للإنضمام للوحدات الام التي ستقوم بتدعيمها.
بدأت النيران التي تنبعث من خط بارليف تخف وتضعف نتيجة احتلال المواقع وإسكات البعض الآخر, ولكن لاتزال حصون كثيرة تأثيرها محدود أو معدوم لم تزل عاملة في بعض المواقع على الجبهة الطويلة للقناة.
الدفاع الجوي لا يزال مشتبكا مع طيران العدو ومدفعيتنا مستمرة في القصف البعيد على المواقع المعادية ووحدات الكباري والمعديات تعمل بسرعة ونظام على إنجاز المهمات قبل انتهاء اليوم.

الساعة 1830:
وصلت رؤوس كباري الفرق إلى عمق حوالي 5 كم, وقد أصبحت معظم أجزاء خط بارليف محاصرة بقواتنا.
قوات المهندسين مستمرة في فتح الثغرات وتجهيز المطالع على الجانب الآخر وفتحت أول ثغرة في الساتر في الساعة 1830 أي بعد أربع ساعات من بدء عبور المشاة.
قبل هذا بساعة قامت طائرات الهليوكوبتر بإسقاط 4 كتائب صاعقة في عمق العدو وخلف خطوطه في النسق الثاني له في أماكن متفرقة داخل سيناء لعمل مهمات خلخلة وتشويه تشكيلات العدو من الخلف وقطع إمداداته.

الساعة 2030:
المشاة تعزز مواقعها على الشاطىء الشرقي وتقوم بإرسال ضابط اتصال لمخارج المعديات والكباري لاستقبال الدبابات والمركبات وتلقينها واجباتها تبعا لآخر موقف للعمليات. وتم بناء أول كوبري ثقيل.
بدأت الدبابات المصرية تدب أرض سيناء للمرة الأولى منذ بداية المعركة, توغلت الدبابات والأسلحة الثقيلة واحدة تلو الأخرى عبر المعديات بعد إتمام فتح الثغرات وقد أصبح لنا 31 معدية تعمل بين ضفتي القناة.
ولا تزال رشقات المدفعية تهز الساحل الشرقي للقناة بعمق أكبر ودقة أكبر. والدفاع الجوي يتعامل مع الطيران المعادي بكفاءة ودقة.

الساعة 2230:
أتم المهندسون فتح الثغرات وتشغيل معظم المعديات والكباري كالآتي:
1- فتح 30 ثغرة في الساتر الترابي وذلك بتجريف 90000 متر مكعب من الرمال
2- إتمام بناء 8 كباري ثقيلة
3- إتمام بناء 4 كباري خفيفة هيكلية
4- إتمام بناء وتشغيل 31 معدية

تم عمل جميع وسائل العبور الثقيل على كفاءة عالية باستثناء قطاع الفرقة 19 مشاة والتي ظهرت لديها مشكلات غير متوقعة خاصة بطبيعة التربة.
تعرض طيران العدو للكباري المنصوبة ورد عليه دفاعنا الجوي وأسقط له عدة طائرات إضافية ليصبح مجموع ما فقده العدو من طائرات هو 27 طائرة.

الساعة0100 يوم 7 اكتوبر:
قام العدو خلال الليل بهجمات مضادة ونجحت قواتنا المتيقظة في توقع أماكن الهجوم وتدمير مصدرها في وقت قياسي, وتمكن العدو في محاولات يائسة في الوصول إلى خط المياه واستخدام دباباته في تعطيل كوبريين إثنين وتدمير بعض وسائل العبور, ولكن تصدت له قوات المشاة واستخدمت ال RPG والقنابل المضادة للدبابات وقبل الصباح كانت قد تهتكت كل الدبابات المعادية وهرب الباقي مرتدا للخلف مسرعة نحو الشرق, وقد قام المهندسون بإصلاح ما تحطم من أجزاء في الكباري وأعادوا تشغيلها في وقت قياسي آخر يحسب لهم.

وهنا أود أن أعرض نتائج اليوم الأول للمعركة الحقيقية في اكتوبر 73!
1- في صباح السابع من اكنوبر كانت قواتنا قد حسمت المعركة على الجبهة وعلى خط الدفاع الأول للعدو, فقد عبرت أصعب مانع واصعب حصن في التاريخ يكاد يضاهي حصون القسطنطينية مع الفارق في طول ساحل القناة وطول ساحل القسطنطينية وطبيعة الأرض والساحل هنا وهناك, بالإضافة لتقنيات المدفعية والدبابات والتي لم تكن موجودة لدى البيزنطيين في ذلك الوقت. أضف إلى ذلك ميزان القدرة العسكرية التي كانت تميل ناحية الجيش صاحب التحصينات (إسرائيل), ولكن الجيش العثماني المهاجم للقسطنطينية لم يكن بالكثرة العددية ولا يضاهي العتاد العسكري العثماني في هذا الوقت, فكان تفوق العثمانيين في أي ميدان معركة يعبر عن تفوق كاسح, ولكن أسوار وتحصينات القسطنطينية وقتها كانت عامل استراتيجي يغير جذريا في نتيجة أي معركة, وهنا نؤكد على أهمية استغلال الظواهر الطبيعية والموانع الطبيعية أو حتى الإصطناعية في أي معركة, حتى وإن كانت هيكلية أو بغرض المناورة فقط, وهذه نقطة للإستفادة تاريخيا, ومع ذلك كان ينقصنا أن نستخدم استراتيجية استخدام الخنادق والتلغيم باستخدام الخنادق والتي استخدمها العثمانيين وأثبتت فاعليتها مع العثمانيين ولها تأثيرها حتى اليوم ولكن لم يعد يستخدمها إلا أهل غزة الآن والكونت دي مونت كريستو في الماضي !
2- أقل نسبة خسائر في صفوف الجيش المصري وهي نقطة تحسب لنا على مقاييس الدقة والتخطيط والتنظيم وعنصر التوفيق الإلهي عندما تذكر الجنود أن الله أكبر!! فقد كانت الخسائر: 5 طائرات و20 دبابة و280 شهيد وهذا يمثل حوالي 2,5 % من الطائرات و2% دبابات, و0,3 % رجال.
3- تكبيد العدو خسائر فادحة ومؤثرة تأثير الصدمة المدمرة على أي جيش, ففي يوم واحد أو أقل تم سحق ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة كانت تدافع عن القناة, كما خسر العدو حصون خط بارليف بالكامل وانتهت اسطورة الجيش الذي لا يقهر, وتحطمت استراتيجية ونظرية الأمن الإسرائيلي.
4- بالأرقام خسر العدو 30 طائرة و300 دبابة وما يزيد عن 3000 من القتلى من الجنود.

والله المستعان..

الثلاثاء، 24 مارس 2009

حصار الجيش الثالث

السلام عليكم,
أبدأ الحديث من يوم 18 أكتوبر, وقد بدات الحرب تميل ناحية الجانب الإسرائيلي, وذلك بعد أن تم تدمير أكثر من 350 دبابة, ووصول 3 ألوية مدرعة إسرائيلية لغرب القناة, كيف وصلوا بهذه السرعة !!
المهم في هذا اليوم كان الجنرال برن والجنرال شارون هما قادة الفرقتين التي عبرت القناة للغرب, وتم توجيه اللواء المدرع 23 لمواجهة الحشد الإسرائيلي, فكانت النسبة العددية والتفوق في استخدام المدرعات في صالح الإسرائيليين, فتم هزيمته وتشتيته وفقدنا دبابات هذا اللواء وأصبحت الجبهة الغربية شبه عارية من الدبابات, ولم يظل من الاحتياطي الاستراتيجي وقتها سوى لواء مدرع واحد خلف الجيشين الثاني والثالث, ولواء الحرس الجمهوري في القاهرة.

تم في ظهر يوم 18 انضمام لواء مدرع آخر إسرائيلي ليصبح المجموع 4 ألوية مدرعة في غرب القناة, وقد قامت بتدمير بطاريات صواريخ سام المضادة للطائرات في منطقة الثغرة, حتى أصبح بإمكان الطيران الإسرائيلي الدخول بطيرانه في المنطقة غرب القناة للمرة الأولى منذ عام 1970 عند بناء حائط الصواريخ, وبحلول الليل كان اللواء المدرع الخامس قد عبر إلى غرب القناة. وهذا بالطبع يكشف حجم الحشد العسكري الإسرائيلي غرب القناة والذي تم التعتيم عليه في مصر والوطن العربي فقط, بينما كان العالم كله يراقب ويعرف الوضع أكثر من أصحاب المعركة أنفسهم !

ظهرت عدة حقائق في هذا الوقت أهمها:
- عجز القوات الخلفية للقوات المسلحة عن صد هجوم الدبابات وافتقدت التعامل مع اللواءات المدرعة بذكاء.
- خداع القيادة للجنود وقادة الكتائب عن حقيقة الموقف بشأن الثغرة وضع الجنودفي موقف مزري, فقد كانوا يفاجأون حين يرون مئات الدبابات تجتاح المناطق من حولهم, حيث أن القوات الإسرائيلية قد أسرت الكثيرين من الجنود المصريين بدون قتال في غرب القناة ! ولم يكن أحدهم يظن أن هذه قوات مغيره, وعدم تصديق أن هناك قوات إسرائيلية من الممكن أن تظهر في هذا المكان !
- دخول الطيران للمنطقة جعل حالة من الذعر وعدم التنظيم ساهم في التقهقر وإخلاء الطريق للقوات المعادية لاحتلال كل مصاطب البحيرات والدفرسوار.
- عندما ينجح بعض رجال المشاة في تدمير ومطاردة بعض الدبابات وفرار الآخرين يصابوا بنشوة إنتصار كبيرة ظنا منهم أنهم قضوا على السبع دبابات التي زعمت القيادة أنها كل ما تمكن من عبور القناة, ليفاجأوا أن هناك غيرهم بالعشرات تعود بعد قليل لتحرق كل المناطق المحيطة, مما يدل على الضعف الشديد في استقراء أرض المعركة وأسلوب الكشف الميداني كان شبه معدوما وتسيطر عليه الفوضى, وكأنها هزيمة 67 تعاد مرة أخرى ولكن غرب القناة !
- عدم استطاعة سلاح الطيران من الدخول في معارك مباشرة مع الطيران الإسرائيلي نظرا للتفوق الكاسح لنوعية وعدد طائرات العدو, بالإضافة لمنع الطيران من الدخول لتدمير القوات المدرعة المتسربة للغرب نظرا للتصريحات الكاذبة وعدم معرفة ماهية القوات التي عبرت وهذه تعد خيانة عظمى لمن حجب تلك المعلومات ولم يأمر الطيران باتخاذ اللازم في الوقت المناسب أثناء عبور تلك القوات المعادية نهارا لغرب القناة بلواءات مدرعة سهل التقاطها وتدميرها بالطيران, فهي قوات غزيرة تمر بممرات ضيقة وتعبر من مناطق وعرة تعجز فيها عن العبور سريعا, فما هي القصة !!

كان شارون ومعه فرقتين مدرعتين يهاجم الإسماعيلية, وتصدى له الواء 150 مظلات, وبحساب القوة والعتاد كان في صالح شارون وفرقتيه, ولكن قوات المدفعية ظلت تقصف الممر الذي يعبر منه في الدفرسوار وكبدته خسائر فادحة, وتم احتلال مصطبة قريبة من القناة وتم تصحيح المدفعية وتم تكثيف الضرب عليها حتى تنبه العدو واحتل مصطبة الإطلاق وفشل اللواء 150 في استرداد المصطبة مرة أخرى, صاحب ذلك عمليات مكثفة من أفراد الصاعقة والتي تمكنت من صد أكثر من هجوم من شارون, وتم الاستعانة بمصطبة بديلة صبت قذائفها منها بعد ذلك على ممرات العدو كبدته خسائر مجددا, فكان دفاعا مستميتا هو الوحيد الذي كان مشرفا في معارك غرب القناة. وقد فشل شارون في تطويق الجيش الثاني ومحاصرته في هذه العملية, وقد كان رجال الصاعقة المصرية تمثل خطر بالغ وكابوس حقيقي ولكن كان مستحيلا أن يظلوا يقاتلون لأكثر من أسبوعا مع ضعف الإمدادات والهجمات المتتالية للعدو وتحت الظروف السيئة التي أصبحت عليها الجبهة وقتها.

ويقول الجنرال هوتزوج في كتابه: أن شارون وفرقته المدرعة قوبلت بمقاومة عنيفة من المشاة والمدفعية المصرية وتحملت خسائر فادحة وقد كانت مهمة شارون هي احتلال الإسماعيلية ولكن الكوماندوز المصريين أوقفوا التقدم.

بعد هذه المعركة الرائعة في الشمال, نأتي للآداء المخزي جنوبا, حيث ساد نوع من عدم التنظيم والبلبلة وعدم دقة المعلومات المتلقاة أو إنعدامها من الأساس, فقد كان بحلول ليلة يوم 20 اكتوبرخمسة ألوية معادية ولواء مظلي وكانت هذه القوة ممثلة في فرقتين مدرعتين بقيادة شارون, وفرقة مدرعة أخرى تتكون من ثلاثة ألوية مدرعة بقيادة برن. وقد كان هناك فرقتان مدرعتان في الشرق تتكون من لواءين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي تقوم بتثبيت قواتنا شرق القناة.

بينما كنت قواتنا في الشرق معظمها مرابض في مكانه بلا عمل وبعضهم بلا إمدادات, فمن عيوب أن يحتل العدو ظهرك, هو أن يبدأ بمنع الإمدادات التموينية وأحيانا الإتصال أيضا, بالإضافة لانحسار المهمات الإدارية عن الكتائب.

وكان تشكيل الجيش المصري وقتها كالتالي:

- الجيش الثاني: في الشرق توجد 3 فرق مشاة وفرقة مدرعة ولواء مدرع
في الغرب جنوب ترعة الإسماعيلية يوجد لواء مظلي وكتيبتا صاعقة
شمال ترعة الإسماعيلية يوجد لواء مدرع

- الجيش الثالث:في الشرق توجد فرقتا مشاة ولواء مدرع ولواء مشاة ولواء برمائي
في الغرب لواء مشاة ميكانيكي

- هناك فرقة رابعة مدرعة ومسؤوليتها الدفاع عن المنطقة الممتدة من ترعة الإسماعيلية شمالا حتى جبل عتاقة جنوبا وتعمل بأوامر من القيادة العامة وهي خط الدفاع الأخير .....

الاحتياطي الإستراتيجي:
لواء الحرس الجمهوري وتتمركز في القاهرة وكلنا نعلم مهمة الحرس الجمهوري ....

كان الوضع ينذر بكارثة قد تحدث خلال ثلاث أو أربعة أيام, في إذا ما تمكن العدو من إدخال لواء مدرع آخر للغرب, فطالب الشاذلي وقتها بسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق للغرب لكسح القوات المعادية وحصارها وعزلها شرق القناة, فيما يظل تواجدنا في الغرب بدون تأثير سلبي من سحب هذه الألوية بالإضافة أن قوات العدو في الغرب تقوم بالتثبيت فقط وتوقفت عن الهجوم العشوائي التي بدأته في أول أيام المعركة, لذلك فكان من الحكمة التركيز على كسح وحصار القوات الإسرائيلية في الغرب. ولكن أمر السادات وقتها بمنع سحب أي قوات من الشرق, وهي كانت حسبة إستراتيجية في عقل السادات يحسبها بالكم وليس بالكيف, حتى أنه ظن أنه عند المفاوضات سيعرض وضعا قائما في أن له مائة ألف من الجنود في سيناء, أم أي قوات إسرائيلية في الغرب فليست مشكلة من وجهة نظره على أنها ستكون محاصرة عند وقف إطلاق النار, ولكن حساباته كانت بعقلية التاجر الشريف الذي يساوم بالمال والبضاعة, ولكن أمام خصم غير شريف لا يلتزم بوقف إطلاق النار وقد نقل المعركة إلى أرضك, فبالتأكيد ليس هنا اعتبارات للعدد الذي تحشده داخل سيناء, وليس هناك اعتبار أنك إلتزمت بوقف إطلاق النار في موعده. فكان عليه أن يتعلم مما حدث في حرب 1967 وأن إسرائيل مستحيل أن توقف إطلاق النار دون الوصول لمكاسب ونتيجة تخدم مصلحتها في المفاوضات, وقد فعلت ذلك في حرب 1948 وكذلك في 67 وفي حرب 73 التي نحن بصددها.

في ليلة 20 اكتوبر, وقبل صباح 21 كانت فرقة ماجن المدرعة قد عبرت للغرب وأضيفت للقوات الإسرائيلية بقيادة برن, لتضغط كلا الفرقتين على قوات الفرقة الرابعة بقيادة قابيل, ورغم قتاله في ظروف سيئة, إلا أنه إستطاع لمدة يومين إيقاف التقدم الإسرائيلي رغم الزيادة العددية لهم أيضا واتساع مساحات المواجهة وعدم تمرس الجيش المصري في التعامل بدباباته وكذلك مع دبابات الخصم في المناورة, فقد كان الجيش المصري يستخدم الدبابات كمدفعية متحركة في معزم المواقف. وكان قرار وقف إطلاق النار في يوم 22 الساعة 18:52 ولكن إسرائيل استأنفت القتال للحصول على المكاسب اللازمة في صباح يوم 23, فقد اعتمدت هجماتهم على مبدأ المفاجأة واستغلال الفوضى والتراخي, وعدم الحزم من القيادة في التعامل مع هذا الإجراء المتوقع من العدو ! فقد ثبتوا الفرقة المدرعة الرابعة بأحد الأولية واندفعوا جنوبا بثلاثة ألوية مدرعة ضد وحدات إدارية وقاموا بتطويق السويس واستمروا مندفعين دنوبا على خليج السويس حتى وصلوا ميناء الأدبية جنوب السويس ب15 كم, وإمعانا في المهزلة فقد وقفت الجنود المصرية تشاهد دبابات إسرائيلية تضيء كشافاتها ليلا وتعبر للجنوب بسرعة على الطريق دون التعرض لها في لا مبالاة حقيقية ظنا منهم أنها دبابات مصرية, أو بالأحرى فإن هناك وقف إطلاق نار ولا يجب التعامل مع هذه الأهداف حتى وإن كانت إسرائيلية. وما إن وصلت القوات الإسرائيلية لميناء الأدبية قاموا بمهاجمة القوات البحرية وسيطروا على الميناء, فوجئت الحامية البحرية بهذه القوات وتمكنت الزوارق السريعة من الهرب, وبعد عمل هجوم مضاد يوم 24 اكتوبربسرية مشاة تدعمها 7 دبابات ت34 وقام الطيران الإسرائيلي بالإشتراك فقضى على هذه القوة ودمرت السبع دبابات في يوم 28. وفي هذا اليوم أتم الجيش الإسرائيلي في إتمام حصار الجيش الثالث الموجود في شرق القناة وعزلها عن مركز القيادة غرب القناة, وقامت بقصف مركز قيادة عبدالمنعم واصل ودمرته ونجا هو بأعجوبة, وهكذا أصبح حوالي 45000 جندي وضابط محاصرين ومعهم 250 دبابة كانت بلا عمل لآخر 10 أيام ! ومن خلفهم مدينة السويس محاصرين تماما, وكانت هذه المنطقة قد أصبحت خارج الدفاع الجوي, أي أنه من الممكن أن يتعرض لها الطيران المعادي وبفرص ضئيلة للغاية في الردع.

وفي الحلقة المقبلة إن شاء الله أتناول نتائج حصار الجيش الثالث في المفاوضات.
الله المستعان

المصادر..
(ملفات خاصة منقولة عن ش.م.ق.م.م)
(مذكرات اللواء سعد الشاذلي ر.ا.ح.ق.م.م)
(مذكرات اللواء الجمسي ر.ا.ح.ق.م.م)
(كتاب الفرص الضائعة لأمين هويدي رئيس المخابرات ووزارة الحربية السابق)
(مذكرات ****** من الفرقة الثانية مشاة)
(كتاب البحث عن الذات -محمد أنور السادات-)
( موشي ديان Story of My Life)

سلاح المهندسين

السلام عليكم,
كما سبق ونوهت عن سلاح المهندسين في حرب اكتوبر, ها أنا أتواصل مع القارىء في سرد بعض المعلومات البسيطة التي تخص هذا القطاع الفعال في الجيش المصري في هذا الوقت, كان يتحتم على هذا السلاح إنجاز عدة مهام اساسية:

1- فتح 70 ثغرة في الساتر الترابي (خط بارليف) على الجانب البعيد, كل منها 1500 متر مكعب
2- إنشاء 10 كباري ثقيلة لنقل لعبور الدبابات والمدافع والمعدات الثقيلة
3- إنشاء 5 كباري خفيفة حتى يمكنها تجتنب نيران العدو وبالتالي تخفف من هجوم العدو على الكباري الرئيسية وتكون مشابهة للكباري الثقيلة ولكن حمولتها 4 طن فقط
4- بناء 10 كباري اقتحام لعبور المشاة
5- تجهيز وتشغيل 35 معدية نقل عبر القناة
6- تشغيل 720 قاربا مطاطيا لعبور المشاة

مع العلم أن جميع هذه المهام ستتم في وقت واحد, بحيث يتم فتح الثغرات فيما بين 5 و 7 ساعات تقريبا بينما يتم بناء الكباري بعد ذلك بحوالي ساعتين, مع العلم أن العمل سيتم تحت نيران ومدفعية العدو.

لقد كانت الوحدات الهندسية المكلفة بهذه المهمات حوالي 35 كتيبة في مختلف التخصصات, ويجدر الإشارة إلى أن سلاح المهندسين كان هو المفاجأة والضربة الرئيسية للعدو في استراتيجيات المعركة بشكل عام, وهذا لعدة أسباب:
- دول العالم الصديقة والمعادية أجمعت باستحالة التغلب على مشكلات العبور وتنفيذ هذه المهمات مجتمعة
- مذكرات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أثناء حرب اكتوبر (الجنرال إليعازر) ذكر فيها أن مناقشات القيادة الإسرائيلية لدراسة احتمال عبور المصريين القناة بحضور وزير الحربية (موشي ديان) قد عبرة عن استبعاد وتجاهل وجود قطاع هندسي مؤثر في الجيش المصري, وصرح ديان مباشرة على أن المصريون يحتاجون لعبور قناة السويس إلى سلاح المهندسين الأميركي والسوفييتي مجتمعين للمساعدة في ذلك, وهذا طبعا مبالغة منه, ولكن هذا شيء نفتخر به إذا ما قيس ذلك على أناس يرتابون من أي شيء وكل شيء ويتحوطون من كل شيء نظرا لما أنزله الله عليهم من لعنة تجعلهم في خوف ورعب دائم حتى من الأشياء المستبعدة الحدوث, فنتخيل مدى الثقة المفرطة في عجز سلاح المهندسين المصري في تشكيل أي خطر على خط بارليف والعبور.
- قامت إدارة العمليات الإسرائيلية بعمل سيناريوهات متعددة لمخططات الجيش المصري في عمل أي عمليات لنقل الجنود عبر القناة, وكانت معظم تصوراتهم تنحصر في الضفادع البشرية, وباقي التصورات بين الإسقاط المظلي والعمليات التعرضية بالمدفعية الثقيلة لعمل ثغرة أو إثنتين لعمل الإسقاط أو عبور لنشات سريعة بعدد محدود من المعدات والجنود. وكانت كل التصورات تحصر أي عبور في نطاق 1500 جندي في أسوأ الظروف, ومع وضعهم في الاعتبار استخدام المصريين لتقنيات معينة متأكدين تمام أنها لم تصل إلينا ولكن من فرط الخوف والتحوط فقد افترضوا ذلك, و1500 جندي غير مجهزين بأسلحة ثقيلة هم الذين سيتمكنون من العبور في اسوأ الفروض, وجهزوا عدة سيناريوهات لإبادتهم بعد تركهم يتوغلون ويطمأنون, وتلك هي استراتيجية ثابتة لدى العقل الإسرائيلي, أولا أن تكون أرض المعركة على أرض الخصم, ونقلها بأي ثمن على أرضه, وهذا يفسر المغامرة بالعبور لغرب القناة بدون ظهر يحمي تلك القوات والمغامرة ايضا بالتقصير في الآداء الدفاعي في الصفوف الأمامية للجيش في مواجهة المصريين., القاعدة الثانية هي ترك العدو يتوغل ويطمئن في أماكن مفتوحة أو الإيحاء له بأنها آمنة, واستدراجه ثم محاصرته في الوقت المناسب, مع الإيحاء له أيضا أنه خسر بعض الخسائر أو يتقهقر وهذا ما يغري عدوه للهرولة في المكان الذي يحدده وبالسرعة التي يطلبها أحيانا ! وقد تم عمل هذه العملية في حرب 48, وكذلك في حرب 73 في أكثر من مناسبة ولم نتعلم !

تفاصيل عن قناة السويس كمانع مائي والتحصينات التي أقامها العدو:
1- مانع مائي عرضه يتراوح بين 180 و200 متر, وأجنابها حادة الميل ومكسوة بالحجارة لمنع انهيار التربة للقاع, ومن هنا يظهر أن أي دبابة برمائية يستحيل عليها الصعود للشاطىء بدون عتبة ممهدة, إذ يجب نسف أكتاف الشاطىء وتجهيز منزل ومطلع لها.
2- قام العدو بإنشاء سد ترابي على الضفة الشرقية للقناة بارتفاع يصل إلى 20 مترا في بعض المناطق الهامة, وقاموا بزحزحة الساتر إلى أن أصبح يتقابل مع ميل الشاطىء وكا ن الميل يتراوح بين 45 و 65 درجة طبقا لطبيعة الأرض, مما جعل الأمر يستحيل عبور أي برمائية أو عربات مجنزرة في ظل هذه الظروف, هذا إن نجحت في عبور القناة من الأصل والوصول إلى مصيرها المحتوم !
3- قام الإسرائيليون ببناء خطا دفاعيا قويا يتكون من 35 حصنا المسافة بين كل منها ما بين كيلومتر وخمسة كيلومترات حسب أهمية المكان الاستراتيجية, حيث أنها كانت أكثر تباعدا في منطقة البحيرات ووصلت ل10 كيلومترات في ثلاث مناطق بها, وتلك المنطقة التي افترض العدو أنها ضعيفة أو أقل أهمية, وقعنا في نفس الخطأ الذي وقعوا فيه ولم نهتم به, وكان هو المكان الرئيسي لعبور العدو للغرب ومكان الثغرة, فكان يجب علينا أن نتعامل مع استراتيجياتنا الخاصة المبنية على الدراسة العميقة, ولا نتبع استراتيجيات العدو كما هي فنهلك !
4- كانت الحصون مدفونة تحت الأرض وذات أسقف قوية تتحمل قذائف المدفعية, وحولها الكثير من الالغام والأسلاك الشائكة الكثيفة, ورغم ذلك وجدت كثير من هذه الحصون المختبئة خالية من الجنود وقد هربوا رغم أنها متحصنة تحصينا جيدا وكان من الممكن أن تصبح عقبة شديدة الصعوبة بالنسبة للمصررين في العبور, ولكن هذه طبيعة الجندي الإسرائيلي المتشكك الجبان, لا يريد المواجهة المباشرة دون ضمانات كثيرة جدا للنصر. وقد أهدر الجيش المصري الآلاف من قذائف المدفعية والطيران لتحطيم هذه الحصون ولكن الحقيقة أن التأثير كان شبه معدوما على تلك الحصون المختبئة والتي خضعت لحملة تطهير كامل من رجال الصاعقة الذين تمكنوا من القيام بعملهم بنجاح فيما عجزت عنه آلاف الذخائر المدفعية الثقيلة التي أهدرت للأسف, وإن كانت قد تمكنت من تدمير بعض الدبابات والمدرعات التي ارتبكت من هجوم الطيران وانكشفت للمدفعية المصرية حيث أن تحركات الدبابات بين الحصون كان مستورا ومختبئا ولا يمكن أن ينال منه المدفعية أثناء حركتها, كما ذكر بعض رجال الكوماندوز والاستطلاع المصريين أثناء توغلهم أن في بعض الكتائب تصادمت بعض الدبابات من الرعب والمفاجأة ودمرت بعضها لهذا السبب.
5- كان هناك مرابض للدبابات كل 100 متر بطول القناة وكان العدو لا يحتل تلك المرابض بصفة دائمة, في حالات التوتر فقط, وتحرك الدبابة من مربض لآخر يتم في سهولة ومستترة تماما عة النظر والنيران, وكان خط بارليف لديه اكتفاء ذاتي لسبعة ايام, كما أن لديها أعلى وسائل الإتصال والكشف والمراقبة, وكانت القوات المرابضة على خط بارليف فكانت لواء مشاة وثلاثة ألوية مدرعة (360 دبابة) وقد تم تدمير معظمها في المعركة, ولواء المشاة (2000 - 3000 جندي) وقد هرب معظمهم مع الضربة الأولى. وقد كان ثلث المدرعات على مسافة 5 - 8 كيلومترات من القناة, أما الثلثين فكانت تتمركز 25 - 30 كم شرق القناة
6- نظرا لنظرية الخوف والرهبة التي تتملك الإسرائيليين دوما فقد أدخلوا سلاحا جديدا في الجيش وهو النيران المشتعلة فوق سطح الماء, حيث تحرق أي شيء في القناة يحاول العبور أيا كان, فقد قاموا بملء مستودعات خاصة بهذا السائل وموصلة بأنابيب تصب في القناة مباشرة, وكانت تعتبر سلاح فتاك إذا ما استخدم ضد القوات العابرة.

قام سلاح المهندسين باختبارات كثيرة بخصوص تلك النقاط جميعا, وتم التغلب عليها, ولكن يبدو أن غيرهم أضاع مجهودهم في الخطيط والتنفيذ بعد كل هذا ...
والله المستعان

السبت، 21 مارس 2009

حقيقة الجسر الجوي

السلام عليكم,
إستكمالا لما سبق أن سردته وما يكاد يمزق قلبي ولكني أصررت أن أكتب جزء منه فقط.
الآن أريد أن اسلط الضوء على حقيقة الجسر الجوي في حرب اكتوبر 1973 والذي كثر الكلام عنه, ولكن هنا أذكر المفيد والجديد, ولدي مصادري بفضل الله.
بداية أحب أن أسرد بعض المعلومات عن خسائر القوات المسلحة المصرية في الدبابات وخسائر العدو, وكانت كالتالي:
كانت خسائر المصريين: يوم 6 و 7 اكتوبر: 40 دبابة
يوم 8 و 9 و 10 : 120 دبابة
يوم 11 و12 و13: 80 دبابة
يوم 14: 250 دبابة
مجموع: 490 دبابة
الملاحظ أن أرقام الدبابات تكاد تكون سالمة ك40 أو 60 أو 120, لأن اللواء كان مجهزا برقم سالم وعندما ينهزم وتنفجر له 10 دبابات مثلا يبدأ في الإنسحاب تاركا باقي الدبابات لأنها مصيرها أن تدمر أيضا بمعرفة مدفعية العدو أو طائراته, فتكون الخسائر هي كل ما تملك الكتيبة من دبابات ويكون الرقم 60 أ و 40 هو ما زودت به الكتيبة أو الفرقة لهذه المواجهة. وهذا الاسلوب زاد من عدد خسائرنا في الدبابات.

خسائر العدو:
يوم 6 و7 أكتوبر: 300 دبابة
يوم 8 و 9 اكتوبر: 260 دبابة
أيام 10 و11 و12 و 13 و 14 : 100 دبابة فقط !!
المجموع: 660 دبابة

وهذه المعركة هي أكبر معركة دبابات في التاريخ كما سميت في ذلك الوقت. وذكر الطرف الإسرائيلي أنه لم يكن يتوقع هذا الكم من الخسائر, خاصة في الكتائب التي تعد هي الأقوى على الإطلاق في طليعة الجيش الإسرائيلي, وهو ما أربكهم لبعض الوقت وطالب بعض القيادات بالحل النووي دون الرجوع للولايات المتحدة والتي أحسوا أنها غدرت بهم وأنها على علم بذلك, مما أثار جولدا مائير واصرت نقل هذه الأفكار لهنري كيسنجر والرئيس نيكسون كنوع من الضغط والتشكيك في المساندة الأمريكية في الداخل الإسرائيلي, والذي بدوره أمر بفتح جميع المخازن ونقل كل البضائع الطلبيات المتأخرة للإسرائيليين لدى أميركا فورا في جسر جوي, وطالبت إسرائيل برفع كفاءة الجسر أربعة مرات متتالية حتى تستعيض عن الدبابات التي تم تدميرها, ولم يذكر ديان من الذي كان باستطاعته قيادة كم الدبابات الجديدة بعد موت وإصابة عدد لا بأس به من قادة الدبابات في صدر الجيش ؟؟؟ ونفس السؤال لم تجب عليه جولدا مائير, مع إصرارهم على أنهم دخلوا الحرب وحدهم, ومفس الشيء ينطبق على الطائرات حيث ليس كل الجنود في الجيش باستطاعتهم قيادة الدبابات أو الطائرات, فالطيارين بالذات نادرين, وعندما نتحدث عن سقوط 280 طائرة إسرائيلية, فإننا نتحدث عن خروج مالا يقل عن 200 طيار منهم عن الخدمة, فكيف لدولة صغيرة أن يكون لها 200 غيرهم في وقت قصير ربما يومان أو ثلاثة فقط !! هذا إذا علمنا أن قوة الطيران الإسرائيلي كانت تقدر وقتها ب560 طائرة, بالإضافة لما جاء في الجسر الجوي كتعويض عن الفاقد.

وبالطبع ذكر هذه الأرقام في البداية تعتبر سند مهم عند ذكر تفاصيل الجسر الجوي لاحقا, ولك عزيزي القارىء تخيل الموقف على ضوء ذلك.
أولا: الكوبري الجوي إلى إسرائيل:
من خلال 566 رحلة طيران شحن أمريكية حاملة 22395 طن باستخدام طائرات الشحن سي 5 وسي 141 والباقي بمعرفة شحن طيران العال الإسرائيلي كتر خيره !
- كوبري شركة العال: 5500 طن
- الكوبري الجوي بمعرفة طيران النقل الأمريكي: 22395
الإجمالي: 27895 طن

واشتمل على طائرات فانتوم وهليوكوبتر سي إتش 53 والدبابات M60 ومعدات الحرب الإلكترونية.

ثانيا: الكوبري الجوي إلى مصر وسوريا:
تم باستخدام طائرات انتنوف 12 وانتنوف 22 وقامت بتنفيذ 900 طلعة, نقلت خلاله 15000 طن ابتداءا من يوم 9 اكتوبر
كما تم نقل 63000 طن بحرا منها حوالي 56000 طنا للجبهة السورية.
شمل الدبابات (للجبهة السورية), ووسائل الدفاع الجوي والذخائر لكلا من مصر وسوريا مناصفة.

من الأرقام والثوابت يظهر أنه كان هناك جسر جوي لمصر تم التعتيم عنه وعن ماهيته, ولكنه متضائل الحجم والإمكانيات أمام ما يصل للجبهة المضادة ! كما أنه وضح اهتمام السوفييت أكثر بالجانب السوري الذي أسلم لهم جميع الصلاحيات وكذلك المعلومات الاستخباراتيه الفائقة السربة, كذلك أطلعوهم على خطة المعركه في الوقت التي رفضت فيه القيادة المصرية أي تدخل في المعلومات الإستخباراتية المصرية أو إطلاعهم على الخطة حتى أثناء المعركة ووقت الثغرة وحتى جاء السوفييت بصور أقمار صناعية تظهر الإختراق والثغرة وواجه كوسيجين السادات عند حضوره مصر بهذه الصور مرتين ما بين 16 و 19 اكتوبر! ومع ذلك لم يكترث السادات وأكد أن لديه الاحتياطات اللازمة وجاري اتخاذ اللازم, ولهذا فكان السوفييت يتعاملون بجفاف مع مصر بعض الشيء مقارنة بما تفعله مع سوريا, ففي حربي 67 و73 كان تحرك قوات الجو السوفييتي على وشك التحرك لنجدة الجبهة السورية في المرتين ! وكانت معلومات السوفييت قبل حرب 1967 تؤكد أن هناك حشود ضد سوريا من إسرائيل وأن مصر يجب أن تتخذ موقفا وتقوم بتفعيل إتفاقية الدفاع المشترك, تعرضت مصر للضغط من السوفييت في الحرب الأولى لصالح سوريا وخسرنا نحن الجانب الأكبر, وفي الحرب الثانية تم الضغط مجددا لتخفيف العبء عن السوريين وخسر كلانا أيضا وكانت الفداحة لدينا نحن أكبر!! حيث كانت الجيوش العربيه من السعودية والأردن والعراق على الجبهة السورية !! ونحن فقد بعثت لنا ليبيا سرب طائرات قديم بعض الشيء ولكنه أدى المطلوب في الضربة الجوية الأولى, ولم يكن بالإمكان أن يقوم أيا من الطائرات المصرية بأي مناورة مع طائرات العدو لفارق الكفاءة جيلا كاملا, وهو ما أدى لخسارة 19 طائره في التجربة الوحيده أثناء حرب اكتوبر للإشتباك مع العدو في صدام جوي.

للتاريخ...
كان موقف حكيم من السادات بطرد الخبراء الروس قبل المعركة بفترة, ولكن لم يذكر علنا أنه استعادهم مرة أخرى بعض وساطة سورية ليعودوا بجزء أقل لتدريب الجنود على المعدات الجديدة ومنها صواريخ الردع بعيدة المدى التي كان يهدد بها السادات بضرب قلب إسرائيل, وهي ما تسمى صواريخ سكود الآن, وقد قال السادات أنها صناعة مصرية وستقلب ميزان المعركة, والحقيقة أنها كانت صواريخ روسية الصنع 100%, وكانت الكثير من الأجهزه لم يتدرب عليها الجنود بعد والأسلحة لا تزال في المخازن لم يكتمل التدريب عليها, فكانت ورطة تجاهلها السادات وطالب رئيس الأركان بالتصرف في ضوء المتاح !! وعند المصارحة السريعة بأنه مستحيل طالبهن بالعودة مرة أخرى.. وعند عودة الخبراء السوفييت قاموا بعمل تدريب سريع للجنود وسلاح المهندسين لصيانة وتشغيل هذا الصاروخ (سلاح الردع) وأسلحة أخرى كثيرة كانت قد تم توريدها منذ 1972, ولم يتم انتهاء التدريب على هذا الصاروخ إلا في يوم 22 اكتوبر (يوم وقف إطلاق النار) وإحتفالا بالوقت القياسي الذي الذي تمكن فيه الجنود من تشغيل الصاروخ, قاموا بضرب ثلاثة منها على منطقة ثغرة الدفرسوار قبل وقف إطلاق النار بساعتين, والصواريخ كانت جديدة لم تغادر مخازن المصانع الحربية في الأراضي السوفييتيه إلا من 48 ساعة فقط ! واتخذها الإسرائيليين ذريعة لتكسر وقف إطلاق النار وتطويق الجيش الثالث ومحاصرته في يوم 25 اكتوبر وتلك هي الضربة القاسمة والخطأ الفادح في القيادة زالتي غيرت كل الحسابات في المفاوضات لاحقا, وهذا هو موضوعي التالي بإذن الله.. (حصار الجيش الثالث في السويس) و (سلاح المهندسين).

والله المستعان.

المصادر..
(ملفات خاصة منقولة عن ش.م.ق.م.م)
(مذكرات اللواء سعد الشاذلي ر.ا.ح.ق.م.م)
(مذكرات اللواء الجمسي ر.ا.ح.ق.م.م)
(كتاب الفرص الضائعة لأمين هويدي رئيس المخابرات ووزارة الحربية السابق)
(مذكرات ****** من الفرقة الثانية مشاة)
(كتاب البحث عن الذات -محمد أنور السادات-)
( موشي ديان Story of My Life)

مذكرات ..

كنت أبحث في أوراقي القديمة, وبعض أوراق والدي, وبعض مذكراته عن حرب أكتوبر التي كسرت أنف اليهود وظهر الجيش المصري معا ! نعم في حرب اكتوبر كان مثال الجسارة في الجنود المصريين وقمة الكبر والغرور من القيادة التي ورطت الجيش بلا حساب في هزيمة ضمنية لم يرى أهوالها إلا بعض الألوية وضحايا الجيش الثالث ! فبعض الألويه أبيدت تماما دون أن تدري ماذا يحدث, تخيل أن تموت فجأة أنت وثمانية آلاف جندي بجانبك في دقائق معدوده بقذائف لا تدري من أين أتت ولماذا وأنت المفترض تحت حماية التغطية الجويه والمدفعيه الكثيفه المصريه!! إيه الحكايه ...؟

فلنحكي الحكايه...
في البدايه أحب أن أشير إلى تركيبة الجيش المصري قبيل دخول المعركة مباشرة, وكانت كالتالي:
19 لواء مشاة
8 ألوية مشاة ميكانيكي (عربات مجنزرة)
10 ألوية مدرعه
3 ألوية جنود جو
لواء برمائي
لواء صواريخ أرض أرض
1700 دبابة, 2000 عربة مدرعة, 2500 مدفع وهاون, 700 قاذف صاروخي موجه, 1900 مدفع مضاد للدبابات, 5000 آر بي جي الروسي الشهير, والقنابل اليدويه بالآلاف والتي كانت مضادة للدبابات

القوات الجوية: 305 طائرة قتال, 70 طائرة نقل, 140 هليوكوبتر
قوات الدفاع الجوي: 150 كتيبة صواريخ سام, 2500 مدفع مضاد للطائرات عيار 20 ملليمتر
قوات البحرية: 12 غواصة, 5 مدمرات, 3 فرقاطات, 12 قناصا, 17 لنش صواريخ, 30 لنش طوربيد, 14 كاسحة ألغام, 14 قارب إنزال.

وبعد..
أمر سريعا لليوم العاشر من المعركه, كان العدو قد بدأ يستوعب الضربه وحاول اختراق الجبهة المصرية في شرق القناة في أيام 8 و9 أكتوبر ولكنه فشل عندما واجه الفرقه 18مشاه بلواء مدرع عند القنطره, وبثلاثة ألوية مدرعة أخرى على الفرقة الثانية مشاه عند الفردان والفرقة 16 مشاه باتجاه الإصماعيليه, وفشلت جميع محاولات العدو في المواجهات المباشره وفقد العدو لواء كامل تمت إبادته عن آخره ولم يبقى أسرى لاقتيادهم ! وفي يوم 10 بالتحديد تمكن العدو من المرور من خلال الجانب الأيسر من قواتنا والتي كان في مجابهته الفرقة الثانية مشاه, وكان الاختراق بكتيبة دبابات مدعمه بعناصر مشاه في عربات مدرعه, وتوغلت إلى كيلومترين تقريبا, وانسحبت ليلا لعدم جدوى المقامره بدخولهم إلى ممر مسدود أو كمين كانوا سيقعوا فيه حتما بعد التوغل.

في نفس اليوم تقدمت عناصر لواء المشاه الأول المصري باتجاه عيون موسى, وربما كان تقدم غير مدروس أو نتيجة حماس غير محسوب, فقد صدرت له أوامر بالتوغل إلى راس سدر ليلا, ولكنه اللواء استبق الأمور وتوغل قبل الغروب بقليل, فراقبته الطائرات الإسرائيليه إلى أن خرج خارج الغطاء الجوي وفرقته وأصبح هذا اللواء خارج المعركه لأيام, وقد أبيد نصفه على الأقل وتجرد من معظم أسلحته التي معظمها خفيفة. (هذا أول الغيث) !!

وهنا لي كلمة للتاريخ .. (انتصار اكتوبر كان هو العبور السريع والمنظم, واستثمار قوة الصدمة والنجاح الذي تحقق في 8 ساعات منذ بدء العمليات, لكان باستطاعة الجيش نقل وحدات حفيفة إلى المضايق وكذلك تحريك بطاريات صواريخ سام المضاده للطائرات إلى الضفة الشرقيه من القناة, مما يتيح للقاوت المتوغله غطاء جوي محدود يكفي الحيز الضيق الذي كان من الممكن أن يكون مركز عمليات ساخن تخرج منه عمليات الصد والقنص ومنع خطط الالتفاف, ولكن بعد العبور ظلت نصف ألوية الجيش بلا عمل ! تنتظر ردة الفعل فقط, والصدمة أفقدت العدو توازنه لمدة ثلاثة أيام, خسر خلالها خسائر فادحة على كل المستويات, ولو كان لدى القادة وقتها جرأة الهدوم وليس ثقافة الدفاع ورد الفعل, لأمكننا ذلك من إلتهام مساحات شاسعة من الأراضي والوصول للمضائق بحلول يوم 8 أكتوبر, وأن يكون التوغل ليلا, ومن ثقافة الإسرائيليين أنهم لا يتقدمون لعمل أي عملية دون أخذ الضمانات الكاملة لنجاحها, لا مغامرات لديهم ولا اعتماد على التوفيق ! لذلك نرى أنهم لا يقومون بغارة جوية على أي لواء إلى بعد مسح وتصوير شامل من الاستطلاع قبلها وأثنائها, وكذلك بمعونة المدفعية والأولية المدرعة على الأرض, وهذا ظهر في يومي 8 و9 اكتوبر, فلو أمكننا الوصول للمضائق في يومي 7 و8, لكان فرصة أن تكون أمامنا قوات إسرائيلية تكاد تكون معدومة أو معارك صغيره محسومه, ومن ناحية أخرى سنجبر الجسر الجوي الأمريكي للإنزال في الخلف أكثر, لتكون فرصة استيعابهم للضرب والوقت الذي يحتاجوه للوصول للقناة أكبر بكثير وشبه مستحيل, فهو لا يعلم ماذا سيواجهه في الطريق الطويل الصحراوي, فهذا الوقت أيضا يتيح لنا نقل أي قوات من غرب القناة لتعويض أي نقص أو ثغرات قد تحدث, لذلك فأقول أننا افتقدنا فرصة استثمار الصدمة الأولى, والتي جعلت إسرائيل تفكر في استخدام السلاح النووي للردع, ولكن أمريكا طالبتهم بالصبر لمدة أسبوعا حتى ترى الموقف.. )

أعود ليوم 10 أكتوبر بداية الضرب ! في اليوم التالي له 11 أكتوبر بدأ يظهر شكل المعركة والقوات على الأرض, طالبت سوريا والسوفيت بأن تتوغل مصر وهذا طبقا بصور الرادار وخسائر العدو ! واستغرب الجميع من أن هناك خطوط شاغرة خلف الألوية الإسرائيلية التي تتوغل على استحياء (حتى الآن), وهذا سبب استحيائها, لا تتقدم إلا بحساب, وظلت معظم ألوية الجيش المصري واقفة تشاهد بعضها البعض أيام 10 و11 و12 و13, والعدو يحشد قواته وينقلها إلى سيناء, وأكمل الجسر الجوي الأمريكي ما خسرته إسرائيل من دبابات وزياده, حتى وصل عدد الدبابات إلى 900, في مواجهة 400 دبابة في الألوية المصرية التي في المقدمة !! وأخيرا استفاقت القيادة المصرية على صوت الضغوط بتطوير الهجوم ولكن متأخرا كثيرا كثيرا !! تم إصدار الأمر يوم 14 وتقدمت القوات المصرية بشكل انهزامي في معارك عنيفة بالدبابات كانت الغلبة فيها لليهود حيث كانت المعارك في أرض مكشوفة وبدون سواتر طبيعيه حيث مدى الدبابه هو الحاسم في المعركة, وطبعا مدى الدبابات الأمريكية كان أطول, وخسرنا في نهار هذا اليوم 250 دبابة في 4 ساعات!! وخسروا هم 50 دبابة من باب المجاملة واستبسال البسطاء والمغامرين من فرق المشاة المصرية المستميتة في أرض معركة مكشوفة في الصحراء.

حقيقة !! أن من قام بتطوير الهجوم هي الفرقة 4 والفرقة 24 مدرعين, وموقعهم الأساسي غرب القناة بحوالي 20 كيلومتر لحماية ظهر الجيش الثالث والثاني, وصد أي توغل باتجاه القاهرة, وتم تحرك هذه الفرقتين بكفاءة وسرعة عالية من غرب القناة إلى الخطوط الأمامية للمعركة ب400 دبابة خسروا منها 250, ألا تعود هذه القوة لمكانها الأصلي بعد فشل الهجوم ؟؟؟ .. لا لم يحدث, ألم تنقل بسرعة !! وكان ممكن أ تقوم بذلك قوات موجودة أصلا في سيناء في بداية المعركه قبل اكتمال الجسر الجوي وقبل استيعاب الصدمة وقبل ترتيب العدو صفوفه وقبل وقبل وقبل !! اي أنه ليس هناك ذريعة تبرر تأخير التوغل للمضائق وما بعدها ليوم 14 بدلا من 7 و8 !!

الآن أصبح ظهر الجيش مكشوفا أو به ثغرة نصفيه وخلفية, ولا يوجد إلا قوات رئاسة الجمهورية في القاهرة بعد ذلك في الخلف, الفجوة كبيرة !! وليس هذا فقط بل صدرت إشارة من كتيبة الصواريخ المضادة للطائرات غرب القناة تؤكد وجود هجوم بالدبابات على مواقعها !!
وأن عدد 7 أو 10 دبابات تظهر كل حين في مواقع مختلفة تضرب وتنسحب مرة أخرى.. وتعاملت القيادة مع هذا البيان بعدم اكتراث, وكأن قواعد الصوارخ المضادة للدبابات لا تهم أو ليس لها فائدة في المعركة, أو أن الكتائب الملحقة بها لا تخصنا بل تخص جواتيمالا أو أوغندا !! أو أنه من الطبيعي أن نجد دبابات في غرب القناة !!! كلها تساؤلات .. واستفهامات وتعجب !

متأخرا طالب السادات أخيرا بتحرك اللواء المدرع 25 للقضاء على الثغرة, ومزيدا وإمعانا في التخاذل والكبر والإستهانة لم يتخذ هذا القرار إلا متأخرا من يوم 17, وحاولوا إثناء السادات عنه لكن ما باليد حيله, وفي يوم 18 وأثناء تحرك اللواء أرسل العدو 3 ألوية لمواجهته, فبعد تمكن الفرقة 21 من سد الثغرة بشكل جزئي, فإذ باللواء المدرع الأول يسد الطريق على اللواء 25 المصري من الشمال, بعد أن استدرجه في منطقة ضيقة وأغلق عليه الطريق باللوائين الآخرين من اليمين والمؤخرة, ولم يكن هناك مخرج من الجهة اليسرى ليقعوا في كمين وتمت إبادة هذا اللواء بشكل كامل, وإنا لله وإن إليه راجعون..و هذا كان على مسافة 20 كيلومتر شرق القناة.

وقد سرد لي أحد قادة الجيش الثاني هذه المأساة,, حين أعطي الأمر للفرقة 25 بالتوغل وكان الموقف سيئا داخل الفرقة التي كانت بلا وظيفة في البداية ثم تم تحريكها بسرعة كبيرة وقبل أن تسترح تحركت إلى خط النار, وكما اشتكت الجنود من المجهود اشتكت المعدات أيضا!! ومع ضغط القيادة على سرعة التحرك وراء المجهول كانت التعليمات ليست بالتوغل في منطقة معينة والتمركز فيها, ولكن كان الهدف هو سد الثغرة., وكان لسان حال قائد اللواء (أي ثغرة !!) فلم تكن تظهر أمامهم خطوط عريضة للسير عليها, لم يعلموا من أين الإختراق وما حجمه؟ ومن سنواجه ؟؟ لا توجد أي معلومات ! وبتأثير الضغط المتواصل بمجرد مشاهدة العدو أمامهم حتى بدأوا الإستباك معه وإعطاء إشارة ببداية عمليات القتال, ولكن العدو إنسحب كمناورة تعود عليها, وهرول اللواء خلفه (بكل قوات) بشكل يدع للرثاء حقيقة !! وبمجرد وصول اللواء مكتملا في مكان الكمين وانعزل عن خطوط الجيش الأخرى حتى تم الترحيب به, ولم تنتظر المدفعية الإسرائيلية كثيرا حتى بدأت بضرب مؤخرة الجيش, ثم الإشتباك بالدبابات من الأمام لإفقاد اللواء قدراته من الدبابات, ثم أغلق المثلث اللواء الإسرائيلي الثالث من الشرق, وليضرب بطن اللواء المكشوف, وكانت الإشارات تستغيث وتقول أن الضرب يأتي بالطيران في الأماكن المكشوفة .. أين المظلة ؟؟؟ كانت المظلة قد تم قصها في هذا الجانب, حيث أنها تلك التي لم تكترث القيادة بتدميرها لأنها تؤول لجواتيمالا أو أوغندا على ما يبدو !!

كانت هذه القصة الأليمة للواء 25 الذي استعمل معه العدو كل اساليب التدمير والمكر والدهاء واستغلال طيبة وغرور المصري عندما يكون نصف متعلم !!

وللحكاية تبعات, من البسمة والآهات..