السبت، 21 مارس 2009

مذكرات ..

كنت أبحث في أوراقي القديمة, وبعض أوراق والدي, وبعض مذكراته عن حرب أكتوبر التي كسرت أنف اليهود وظهر الجيش المصري معا ! نعم في حرب اكتوبر كان مثال الجسارة في الجنود المصريين وقمة الكبر والغرور من القيادة التي ورطت الجيش بلا حساب في هزيمة ضمنية لم يرى أهوالها إلا بعض الألوية وضحايا الجيش الثالث ! فبعض الألويه أبيدت تماما دون أن تدري ماذا يحدث, تخيل أن تموت فجأة أنت وثمانية آلاف جندي بجانبك في دقائق معدوده بقذائف لا تدري من أين أتت ولماذا وأنت المفترض تحت حماية التغطية الجويه والمدفعيه الكثيفه المصريه!! إيه الحكايه ...؟

فلنحكي الحكايه...
في البدايه أحب أن أشير إلى تركيبة الجيش المصري قبيل دخول المعركة مباشرة, وكانت كالتالي:
19 لواء مشاة
8 ألوية مشاة ميكانيكي (عربات مجنزرة)
10 ألوية مدرعه
3 ألوية جنود جو
لواء برمائي
لواء صواريخ أرض أرض
1700 دبابة, 2000 عربة مدرعة, 2500 مدفع وهاون, 700 قاذف صاروخي موجه, 1900 مدفع مضاد للدبابات, 5000 آر بي جي الروسي الشهير, والقنابل اليدويه بالآلاف والتي كانت مضادة للدبابات

القوات الجوية: 305 طائرة قتال, 70 طائرة نقل, 140 هليوكوبتر
قوات الدفاع الجوي: 150 كتيبة صواريخ سام, 2500 مدفع مضاد للطائرات عيار 20 ملليمتر
قوات البحرية: 12 غواصة, 5 مدمرات, 3 فرقاطات, 12 قناصا, 17 لنش صواريخ, 30 لنش طوربيد, 14 كاسحة ألغام, 14 قارب إنزال.

وبعد..
أمر سريعا لليوم العاشر من المعركه, كان العدو قد بدأ يستوعب الضربه وحاول اختراق الجبهة المصرية في شرق القناة في أيام 8 و9 أكتوبر ولكنه فشل عندما واجه الفرقه 18مشاه بلواء مدرع عند القنطره, وبثلاثة ألوية مدرعة أخرى على الفرقة الثانية مشاه عند الفردان والفرقة 16 مشاه باتجاه الإصماعيليه, وفشلت جميع محاولات العدو في المواجهات المباشره وفقد العدو لواء كامل تمت إبادته عن آخره ولم يبقى أسرى لاقتيادهم ! وفي يوم 10 بالتحديد تمكن العدو من المرور من خلال الجانب الأيسر من قواتنا والتي كان في مجابهته الفرقة الثانية مشاه, وكان الاختراق بكتيبة دبابات مدعمه بعناصر مشاه في عربات مدرعه, وتوغلت إلى كيلومترين تقريبا, وانسحبت ليلا لعدم جدوى المقامره بدخولهم إلى ممر مسدود أو كمين كانوا سيقعوا فيه حتما بعد التوغل.

في نفس اليوم تقدمت عناصر لواء المشاه الأول المصري باتجاه عيون موسى, وربما كان تقدم غير مدروس أو نتيجة حماس غير محسوب, فقد صدرت له أوامر بالتوغل إلى راس سدر ليلا, ولكنه اللواء استبق الأمور وتوغل قبل الغروب بقليل, فراقبته الطائرات الإسرائيليه إلى أن خرج خارج الغطاء الجوي وفرقته وأصبح هذا اللواء خارج المعركه لأيام, وقد أبيد نصفه على الأقل وتجرد من معظم أسلحته التي معظمها خفيفة. (هذا أول الغيث) !!

وهنا لي كلمة للتاريخ .. (انتصار اكتوبر كان هو العبور السريع والمنظم, واستثمار قوة الصدمة والنجاح الذي تحقق في 8 ساعات منذ بدء العمليات, لكان باستطاعة الجيش نقل وحدات حفيفة إلى المضايق وكذلك تحريك بطاريات صواريخ سام المضاده للطائرات إلى الضفة الشرقيه من القناة, مما يتيح للقاوت المتوغله غطاء جوي محدود يكفي الحيز الضيق الذي كان من الممكن أن يكون مركز عمليات ساخن تخرج منه عمليات الصد والقنص ومنع خطط الالتفاف, ولكن بعد العبور ظلت نصف ألوية الجيش بلا عمل ! تنتظر ردة الفعل فقط, والصدمة أفقدت العدو توازنه لمدة ثلاثة أيام, خسر خلالها خسائر فادحة على كل المستويات, ولو كان لدى القادة وقتها جرأة الهدوم وليس ثقافة الدفاع ورد الفعل, لأمكننا ذلك من إلتهام مساحات شاسعة من الأراضي والوصول للمضائق بحلول يوم 8 أكتوبر, وأن يكون التوغل ليلا, ومن ثقافة الإسرائيليين أنهم لا يتقدمون لعمل أي عملية دون أخذ الضمانات الكاملة لنجاحها, لا مغامرات لديهم ولا اعتماد على التوفيق ! لذلك نرى أنهم لا يقومون بغارة جوية على أي لواء إلى بعد مسح وتصوير شامل من الاستطلاع قبلها وأثنائها, وكذلك بمعونة المدفعية والأولية المدرعة على الأرض, وهذا ظهر في يومي 8 و9 اكتوبر, فلو أمكننا الوصول للمضائق في يومي 7 و8, لكان فرصة أن تكون أمامنا قوات إسرائيلية تكاد تكون معدومة أو معارك صغيره محسومه, ومن ناحية أخرى سنجبر الجسر الجوي الأمريكي للإنزال في الخلف أكثر, لتكون فرصة استيعابهم للضرب والوقت الذي يحتاجوه للوصول للقناة أكبر بكثير وشبه مستحيل, فهو لا يعلم ماذا سيواجهه في الطريق الطويل الصحراوي, فهذا الوقت أيضا يتيح لنا نقل أي قوات من غرب القناة لتعويض أي نقص أو ثغرات قد تحدث, لذلك فأقول أننا افتقدنا فرصة استثمار الصدمة الأولى, والتي جعلت إسرائيل تفكر في استخدام السلاح النووي للردع, ولكن أمريكا طالبتهم بالصبر لمدة أسبوعا حتى ترى الموقف.. )

أعود ليوم 10 أكتوبر بداية الضرب ! في اليوم التالي له 11 أكتوبر بدأ يظهر شكل المعركة والقوات على الأرض, طالبت سوريا والسوفيت بأن تتوغل مصر وهذا طبقا بصور الرادار وخسائر العدو ! واستغرب الجميع من أن هناك خطوط شاغرة خلف الألوية الإسرائيلية التي تتوغل على استحياء (حتى الآن), وهذا سبب استحيائها, لا تتقدم إلا بحساب, وظلت معظم ألوية الجيش المصري واقفة تشاهد بعضها البعض أيام 10 و11 و12 و13, والعدو يحشد قواته وينقلها إلى سيناء, وأكمل الجسر الجوي الأمريكي ما خسرته إسرائيل من دبابات وزياده, حتى وصل عدد الدبابات إلى 900, في مواجهة 400 دبابة في الألوية المصرية التي في المقدمة !! وأخيرا استفاقت القيادة المصرية على صوت الضغوط بتطوير الهجوم ولكن متأخرا كثيرا كثيرا !! تم إصدار الأمر يوم 14 وتقدمت القوات المصرية بشكل انهزامي في معارك عنيفة بالدبابات كانت الغلبة فيها لليهود حيث كانت المعارك في أرض مكشوفة وبدون سواتر طبيعيه حيث مدى الدبابه هو الحاسم في المعركة, وطبعا مدى الدبابات الأمريكية كان أطول, وخسرنا في نهار هذا اليوم 250 دبابة في 4 ساعات!! وخسروا هم 50 دبابة من باب المجاملة واستبسال البسطاء والمغامرين من فرق المشاة المصرية المستميتة في أرض معركة مكشوفة في الصحراء.

حقيقة !! أن من قام بتطوير الهجوم هي الفرقة 4 والفرقة 24 مدرعين, وموقعهم الأساسي غرب القناة بحوالي 20 كيلومتر لحماية ظهر الجيش الثالث والثاني, وصد أي توغل باتجاه القاهرة, وتم تحرك هذه الفرقتين بكفاءة وسرعة عالية من غرب القناة إلى الخطوط الأمامية للمعركة ب400 دبابة خسروا منها 250, ألا تعود هذه القوة لمكانها الأصلي بعد فشل الهجوم ؟؟؟ .. لا لم يحدث, ألم تنقل بسرعة !! وكان ممكن أ تقوم بذلك قوات موجودة أصلا في سيناء في بداية المعركه قبل اكتمال الجسر الجوي وقبل استيعاب الصدمة وقبل ترتيب العدو صفوفه وقبل وقبل وقبل !! اي أنه ليس هناك ذريعة تبرر تأخير التوغل للمضائق وما بعدها ليوم 14 بدلا من 7 و8 !!

الآن أصبح ظهر الجيش مكشوفا أو به ثغرة نصفيه وخلفية, ولا يوجد إلا قوات رئاسة الجمهورية في القاهرة بعد ذلك في الخلف, الفجوة كبيرة !! وليس هذا فقط بل صدرت إشارة من كتيبة الصواريخ المضادة للطائرات غرب القناة تؤكد وجود هجوم بالدبابات على مواقعها !!
وأن عدد 7 أو 10 دبابات تظهر كل حين في مواقع مختلفة تضرب وتنسحب مرة أخرى.. وتعاملت القيادة مع هذا البيان بعدم اكتراث, وكأن قواعد الصوارخ المضادة للدبابات لا تهم أو ليس لها فائدة في المعركة, أو أن الكتائب الملحقة بها لا تخصنا بل تخص جواتيمالا أو أوغندا !! أو أنه من الطبيعي أن نجد دبابات في غرب القناة !!! كلها تساؤلات .. واستفهامات وتعجب !

متأخرا طالب السادات أخيرا بتحرك اللواء المدرع 25 للقضاء على الثغرة, ومزيدا وإمعانا في التخاذل والكبر والإستهانة لم يتخذ هذا القرار إلا متأخرا من يوم 17, وحاولوا إثناء السادات عنه لكن ما باليد حيله, وفي يوم 18 وأثناء تحرك اللواء أرسل العدو 3 ألوية لمواجهته, فبعد تمكن الفرقة 21 من سد الثغرة بشكل جزئي, فإذ باللواء المدرع الأول يسد الطريق على اللواء 25 المصري من الشمال, بعد أن استدرجه في منطقة ضيقة وأغلق عليه الطريق باللوائين الآخرين من اليمين والمؤخرة, ولم يكن هناك مخرج من الجهة اليسرى ليقعوا في كمين وتمت إبادة هذا اللواء بشكل كامل, وإنا لله وإن إليه راجعون..و هذا كان على مسافة 20 كيلومتر شرق القناة.

وقد سرد لي أحد قادة الجيش الثاني هذه المأساة,, حين أعطي الأمر للفرقة 25 بالتوغل وكان الموقف سيئا داخل الفرقة التي كانت بلا وظيفة في البداية ثم تم تحريكها بسرعة كبيرة وقبل أن تسترح تحركت إلى خط النار, وكما اشتكت الجنود من المجهود اشتكت المعدات أيضا!! ومع ضغط القيادة على سرعة التحرك وراء المجهول كانت التعليمات ليست بالتوغل في منطقة معينة والتمركز فيها, ولكن كان الهدف هو سد الثغرة., وكان لسان حال قائد اللواء (أي ثغرة !!) فلم تكن تظهر أمامهم خطوط عريضة للسير عليها, لم يعلموا من أين الإختراق وما حجمه؟ ومن سنواجه ؟؟ لا توجد أي معلومات ! وبتأثير الضغط المتواصل بمجرد مشاهدة العدو أمامهم حتى بدأوا الإستباك معه وإعطاء إشارة ببداية عمليات القتال, ولكن العدو إنسحب كمناورة تعود عليها, وهرول اللواء خلفه (بكل قوات) بشكل يدع للرثاء حقيقة !! وبمجرد وصول اللواء مكتملا في مكان الكمين وانعزل عن خطوط الجيش الأخرى حتى تم الترحيب به, ولم تنتظر المدفعية الإسرائيلية كثيرا حتى بدأت بضرب مؤخرة الجيش, ثم الإشتباك بالدبابات من الأمام لإفقاد اللواء قدراته من الدبابات, ثم أغلق المثلث اللواء الإسرائيلي الثالث من الشرق, وليضرب بطن اللواء المكشوف, وكانت الإشارات تستغيث وتقول أن الضرب يأتي بالطيران في الأماكن المكشوفة .. أين المظلة ؟؟؟ كانت المظلة قد تم قصها في هذا الجانب, حيث أنها تلك التي لم تكترث القيادة بتدميرها لأنها تؤول لجواتيمالا أو أوغندا على ما يبدو !!

كانت هذه القصة الأليمة للواء 25 الذي استعمل معه العدو كل اساليب التدمير والمكر والدهاء واستغلال طيبة وغرور المصري عندما يكون نصف متعلم !!

وللحكاية تبعات, من البسمة والآهات..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق