الثلاثاء، 24 مارس 2009

حصار الجيش الثالث

السلام عليكم,
أبدأ الحديث من يوم 18 أكتوبر, وقد بدات الحرب تميل ناحية الجانب الإسرائيلي, وذلك بعد أن تم تدمير أكثر من 350 دبابة, ووصول 3 ألوية مدرعة إسرائيلية لغرب القناة, كيف وصلوا بهذه السرعة !!
المهم في هذا اليوم كان الجنرال برن والجنرال شارون هما قادة الفرقتين التي عبرت القناة للغرب, وتم توجيه اللواء المدرع 23 لمواجهة الحشد الإسرائيلي, فكانت النسبة العددية والتفوق في استخدام المدرعات في صالح الإسرائيليين, فتم هزيمته وتشتيته وفقدنا دبابات هذا اللواء وأصبحت الجبهة الغربية شبه عارية من الدبابات, ولم يظل من الاحتياطي الاستراتيجي وقتها سوى لواء مدرع واحد خلف الجيشين الثاني والثالث, ولواء الحرس الجمهوري في القاهرة.

تم في ظهر يوم 18 انضمام لواء مدرع آخر إسرائيلي ليصبح المجموع 4 ألوية مدرعة في غرب القناة, وقد قامت بتدمير بطاريات صواريخ سام المضادة للطائرات في منطقة الثغرة, حتى أصبح بإمكان الطيران الإسرائيلي الدخول بطيرانه في المنطقة غرب القناة للمرة الأولى منذ عام 1970 عند بناء حائط الصواريخ, وبحلول الليل كان اللواء المدرع الخامس قد عبر إلى غرب القناة. وهذا بالطبع يكشف حجم الحشد العسكري الإسرائيلي غرب القناة والذي تم التعتيم عليه في مصر والوطن العربي فقط, بينما كان العالم كله يراقب ويعرف الوضع أكثر من أصحاب المعركة أنفسهم !

ظهرت عدة حقائق في هذا الوقت أهمها:
- عجز القوات الخلفية للقوات المسلحة عن صد هجوم الدبابات وافتقدت التعامل مع اللواءات المدرعة بذكاء.
- خداع القيادة للجنود وقادة الكتائب عن حقيقة الموقف بشأن الثغرة وضع الجنودفي موقف مزري, فقد كانوا يفاجأون حين يرون مئات الدبابات تجتاح المناطق من حولهم, حيث أن القوات الإسرائيلية قد أسرت الكثيرين من الجنود المصريين بدون قتال في غرب القناة ! ولم يكن أحدهم يظن أن هذه قوات مغيره, وعدم تصديق أن هناك قوات إسرائيلية من الممكن أن تظهر في هذا المكان !
- دخول الطيران للمنطقة جعل حالة من الذعر وعدم التنظيم ساهم في التقهقر وإخلاء الطريق للقوات المعادية لاحتلال كل مصاطب البحيرات والدفرسوار.
- عندما ينجح بعض رجال المشاة في تدمير ومطاردة بعض الدبابات وفرار الآخرين يصابوا بنشوة إنتصار كبيرة ظنا منهم أنهم قضوا على السبع دبابات التي زعمت القيادة أنها كل ما تمكن من عبور القناة, ليفاجأوا أن هناك غيرهم بالعشرات تعود بعد قليل لتحرق كل المناطق المحيطة, مما يدل على الضعف الشديد في استقراء أرض المعركة وأسلوب الكشف الميداني كان شبه معدوما وتسيطر عليه الفوضى, وكأنها هزيمة 67 تعاد مرة أخرى ولكن غرب القناة !
- عدم استطاعة سلاح الطيران من الدخول في معارك مباشرة مع الطيران الإسرائيلي نظرا للتفوق الكاسح لنوعية وعدد طائرات العدو, بالإضافة لمنع الطيران من الدخول لتدمير القوات المدرعة المتسربة للغرب نظرا للتصريحات الكاذبة وعدم معرفة ماهية القوات التي عبرت وهذه تعد خيانة عظمى لمن حجب تلك المعلومات ولم يأمر الطيران باتخاذ اللازم في الوقت المناسب أثناء عبور تلك القوات المعادية نهارا لغرب القناة بلواءات مدرعة سهل التقاطها وتدميرها بالطيران, فهي قوات غزيرة تمر بممرات ضيقة وتعبر من مناطق وعرة تعجز فيها عن العبور سريعا, فما هي القصة !!

كان شارون ومعه فرقتين مدرعتين يهاجم الإسماعيلية, وتصدى له الواء 150 مظلات, وبحساب القوة والعتاد كان في صالح شارون وفرقتيه, ولكن قوات المدفعية ظلت تقصف الممر الذي يعبر منه في الدفرسوار وكبدته خسائر فادحة, وتم احتلال مصطبة قريبة من القناة وتم تصحيح المدفعية وتم تكثيف الضرب عليها حتى تنبه العدو واحتل مصطبة الإطلاق وفشل اللواء 150 في استرداد المصطبة مرة أخرى, صاحب ذلك عمليات مكثفة من أفراد الصاعقة والتي تمكنت من صد أكثر من هجوم من شارون, وتم الاستعانة بمصطبة بديلة صبت قذائفها منها بعد ذلك على ممرات العدو كبدته خسائر مجددا, فكان دفاعا مستميتا هو الوحيد الذي كان مشرفا في معارك غرب القناة. وقد فشل شارون في تطويق الجيش الثاني ومحاصرته في هذه العملية, وقد كان رجال الصاعقة المصرية تمثل خطر بالغ وكابوس حقيقي ولكن كان مستحيلا أن يظلوا يقاتلون لأكثر من أسبوعا مع ضعف الإمدادات والهجمات المتتالية للعدو وتحت الظروف السيئة التي أصبحت عليها الجبهة وقتها.

ويقول الجنرال هوتزوج في كتابه: أن شارون وفرقته المدرعة قوبلت بمقاومة عنيفة من المشاة والمدفعية المصرية وتحملت خسائر فادحة وقد كانت مهمة شارون هي احتلال الإسماعيلية ولكن الكوماندوز المصريين أوقفوا التقدم.

بعد هذه المعركة الرائعة في الشمال, نأتي للآداء المخزي جنوبا, حيث ساد نوع من عدم التنظيم والبلبلة وعدم دقة المعلومات المتلقاة أو إنعدامها من الأساس, فقد كان بحلول ليلة يوم 20 اكتوبرخمسة ألوية معادية ولواء مظلي وكانت هذه القوة ممثلة في فرقتين مدرعتين بقيادة شارون, وفرقة مدرعة أخرى تتكون من ثلاثة ألوية مدرعة بقيادة برن. وقد كان هناك فرقتان مدرعتان في الشرق تتكون من لواءين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي تقوم بتثبيت قواتنا شرق القناة.

بينما كنت قواتنا في الشرق معظمها مرابض في مكانه بلا عمل وبعضهم بلا إمدادات, فمن عيوب أن يحتل العدو ظهرك, هو أن يبدأ بمنع الإمدادات التموينية وأحيانا الإتصال أيضا, بالإضافة لانحسار المهمات الإدارية عن الكتائب.

وكان تشكيل الجيش المصري وقتها كالتالي:

- الجيش الثاني: في الشرق توجد 3 فرق مشاة وفرقة مدرعة ولواء مدرع
في الغرب جنوب ترعة الإسماعيلية يوجد لواء مظلي وكتيبتا صاعقة
شمال ترعة الإسماعيلية يوجد لواء مدرع

- الجيش الثالث:في الشرق توجد فرقتا مشاة ولواء مدرع ولواء مشاة ولواء برمائي
في الغرب لواء مشاة ميكانيكي

- هناك فرقة رابعة مدرعة ومسؤوليتها الدفاع عن المنطقة الممتدة من ترعة الإسماعيلية شمالا حتى جبل عتاقة جنوبا وتعمل بأوامر من القيادة العامة وهي خط الدفاع الأخير .....

الاحتياطي الإستراتيجي:
لواء الحرس الجمهوري وتتمركز في القاهرة وكلنا نعلم مهمة الحرس الجمهوري ....

كان الوضع ينذر بكارثة قد تحدث خلال ثلاث أو أربعة أيام, في إذا ما تمكن العدو من إدخال لواء مدرع آخر للغرب, فطالب الشاذلي وقتها بسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق للغرب لكسح القوات المعادية وحصارها وعزلها شرق القناة, فيما يظل تواجدنا في الغرب بدون تأثير سلبي من سحب هذه الألوية بالإضافة أن قوات العدو في الغرب تقوم بالتثبيت فقط وتوقفت عن الهجوم العشوائي التي بدأته في أول أيام المعركة, لذلك فكان من الحكمة التركيز على كسح وحصار القوات الإسرائيلية في الغرب. ولكن أمر السادات وقتها بمنع سحب أي قوات من الشرق, وهي كانت حسبة إستراتيجية في عقل السادات يحسبها بالكم وليس بالكيف, حتى أنه ظن أنه عند المفاوضات سيعرض وضعا قائما في أن له مائة ألف من الجنود في سيناء, أم أي قوات إسرائيلية في الغرب فليست مشكلة من وجهة نظره على أنها ستكون محاصرة عند وقف إطلاق النار, ولكن حساباته كانت بعقلية التاجر الشريف الذي يساوم بالمال والبضاعة, ولكن أمام خصم غير شريف لا يلتزم بوقف إطلاق النار وقد نقل المعركة إلى أرضك, فبالتأكيد ليس هنا اعتبارات للعدد الذي تحشده داخل سيناء, وليس هناك اعتبار أنك إلتزمت بوقف إطلاق النار في موعده. فكان عليه أن يتعلم مما حدث في حرب 1967 وأن إسرائيل مستحيل أن توقف إطلاق النار دون الوصول لمكاسب ونتيجة تخدم مصلحتها في المفاوضات, وقد فعلت ذلك في حرب 1948 وكذلك في 67 وفي حرب 73 التي نحن بصددها.

في ليلة 20 اكتوبر, وقبل صباح 21 كانت فرقة ماجن المدرعة قد عبرت للغرب وأضيفت للقوات الإسرائيلية بقيادة برن, لتضغط كلا الفرقتين على قوات الفرقة الرابعة بقيادة قابيل, ورغم قتاله في ظروف سيئة, إلا أنه إستطاع لمدة يومين إيقاف التقدم الإسرائيلي رغم الزيادة العددية لهم أيضا واتساع مساحات المواجهة وعدم تمرس الجيش المصري في التعامل بدباباته وكذلك مع دبابات الخصم في المناورة, فقد كان الجيش المصري يستخدم الدبابات كمدفعية متحركة في معزم المواقف. وكان قرار وقف إطلاق النار في يوم 22 الساعة 18:52 ولكن إسرائيل استأنفت القتال للحصول على المكاسب اللازمة في صباح يوم 23, فقد اعتمدت هجماتهم على مبدأ المفاجأة واستغلال الفوضى والتراخي, وعدم الحزم من القيادة في التعامل مع هذا الإجراء المتوقع من العدو ! فقد ثبتوا الفرقة المدرعة الرابعة بأحد الأولية واندفعوا جنوبا بثلاثة ألوية مدرعة ضد وحدات إدارية وقاموا بتطويق السويس واستمروا مندفعين دنوبا على خليج السويس حتى وصلوا ميناء الأدبية جنوب السويس ب15 كم, وإمعانا في المهزلة فقد وقفت الجنود المصرية تشاهد دبابات إسرائيلية تضيء كشافاتها ليلا وتعبر للجنوب بسرعة على الطريق دون التعرض لها في لا مبالاة حقيقية ظنا منهم أنها دبابات مصرية, أو بالأحرى فإن هناك وقف إطلاق نار ولا يجب التعامل مع هذه الأهداف حتى وإن كانت إسرائيلية. وما إن وصلت القوات الإسرائيلية لميناء الأدبية قاموا بمهاجمة القوات البحرية وسيطروا على الميناء, فوجئت الحامية البحرية بهذه القوات وتمكنت الزوارق السريعة من الهرب, وبعد عمل هجوم مضاد يوم 24 اكتوبربسرية مشاة تدعمها 7 دبابات ت34 وقام الطيران الإسرائيلي بالإشتراك فقضى على هذه القوة ودمرت السبع دبابات في يوم 28. وفي هذا اليوم أتم الجيش الإسرائيلي في إتمام حصار الجيش الثالث الموجود في شرق القناة وعزلها عن مركز القيادة غرب القناة, وقامت بقصف مركز قيادة عبدالمنعم واصل ودمرته ونجا هو بأعجوبة, وهكذا أصبح حوالي 45000 جندي وضابط محاصرين ومعهم 250 دبابة كانت بلا عمل لآخر 10 أيام ! ومن خلفهم مدينة السويس محاصرين تماما, وكانت هذه المنطقة قد أصبحت خارج الدفاع الجوي, أي أنه من الممكن أن يتعرض لها الطيران المعادي وبفرص ضئيلة للغاية في الردع.

وفي الحلقة المقبلة إن شاء الله أتناول نتائج حصار الجيش الثالث في المفاوضات.
الله المستعان

المصادر..
(ملفات خاصة منقولة عن ش.م.ق.م.م)
(مذكرات اللواء سعد الشاذلي ر.ا.ح.ق.م.م)
(مذكرات اللواء الجمسي ر.ا.ح.ق.م.م)
(كتاب الفرص الضائعة لأمين هويدي رئيس المخابرات ووزارة الحربية السابق)
(مذكرات ****** من الفرقة الثانية مشاة)
(كتاب البحث عن الذات -محمد أنور السادات-)
( موشي ديان Story of My Life)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق