الأربعاء، 25 مارس 2009

ساعة الحسم - تسلسل العمليات في ميدان المعركة (6 أكتوبر 1973)

السلام عليكم,
كنت قد نوهت عن نتائج حصار الجيش الثالث في المفاوضات, ولكن نظرا لأنها مؤلمة وغير مشرفة على الإطلاق, فقد آثرت أن أنشر صفحة مشرقة اليوم, على أن أنشر نتائج الحصار فيما بعد.

في غرفة العمليات في المركز 10 كان رئيس الجمهورية ومعه وزير الحربية والقادة في أماكنهم من الصباح, صباح السادس من أكتوبر لعام 1973, وتم تحديد الوقت المحدد لعبور الموجة الأولى من المشاة هو الساعة 14:30, ولكن هناك الكثير من المهما الأخرى التي سيجري تنفيذها قبل ذلك, ومنها مهمة توجيه ضربة جوية بقوة 200 طائرة, وتم التخطيط على أن تعبر الطائرات على ارتفاع منخفض (وهي قدرات تحتاج تدريب كثير ودقيق ومهارة من الطيار في قيادة الطائرة وخبرته بمكان الطيران من ناحية أخرى), وكان ذلك في الساعة 14:00, ولحظة عبور الطائرات لخط القناة ستبدأ المدفعية بعملية القصف التحضيري المكثف بطول الجبهة في عملية أخرى.

المهمة الأخرى هي تسلل عناصر استطلاع المهندسين وعناصر من الصاعقة مصاحبة لها إلى الشاطىء الشرقي للتأكد من إغلاق المواسير التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة وكانت هذه المهمة ستتم في ليلة الخامس من أكتوبر قبل العبور في اليوم التالي. كما تسللت بعض دورياتنا إلى مؤخرة العدو في مهمات استكشافية.

التسلسل الزمني للعمليات:
الساعة 1400:
بدأت أسراب الطيران المصري شق السماء تلمع تحت شمس القاهرة الدافئة في الخريف, لتجوب الصحراء شرقا باتجاه القنا’, وعبرت 200 طائرة قناة السويس على ارتفاع منخفض جدا كاد يلامس الساتر الترابي للعدو في الضفة الشرقية للقناة, وقامت الصقور بالهجوم بعنف وسرعة وهدوء بالعبور على دفعات بطول الساحل الشرقي, وقامت بتوجيه ضربات مركزة على مطارات العدو ومراكز القيادة والرادار والإعاقة الألكترونية والإتصال, كما دمرت جميع مواقع صواريخ هوك المضادة للطائرات, وجزء قليل من المدفعية (وتلك المدفعية المتبقية التي شكلت عبء بعض الشيء في العبور وكانت شديدة التحصين). وبعد عبور الطائرات وبداية القصف بخمس دقائق بدأت رشقات المدفعية المصرية تصب نيرانها في حشد نيراني هائل في سيمفونية حربية ومنظمة رائعة, وبدا المنظر من الأفق كسيل من الماء يأكل اليابس رويدا رويدا في شرق القناة, فقد كان هذا السيل هو قوات العدو المنسحبة هلعا للشرق هربا من النيران التي دكت خط بارليف, واشترك في دك حصون القناة من المدفعية حوالي 2000 مدفع وهاون في حشد نيراني يعد هو الأعلى تاريخيا في تاريخ المدفعية الحديثة في هذا الوقت, حتى أن الخبراء السوفييت لم يصدقوا كم الذخائر التي استنفدت من المدفعية فقط وفي أول يوم!! وكانت المدفعية المصرية في هذه اللحظات تعبر عن نبض الشارع المصري والعربي والذي يبث غله وغضبه بكل ما تعني الكلمات من خلال هذا القصف الصاروخي.

في اثناء هذا القصف كانت عناصر المهندسين على الشاطىء الشرقي بالفعل تتأكد من تمام إغلاق مواسير السائل الملتهب والتأمين عليها في مهمة رجولية شجاعة. وتحت لهيب نيران المدفعية عبرت بعض عناصر الصاعقة البواسل لتسبق العدو في احتلال المواقع والمصاطب التي على خط بارليف بحوالي كيلومتر إلى كيلومترين. وفي هذا الوقت أيضا بدا اللواء 130 برمائي عبور البحيرات المرة من طرفها الجنوبي بقوة 20 دبابة ت76 و80 مركبة توباز. وبدأت سرية مشاة في عبور بحيرة التمساح مستخدمة حوالي 10 مركبات برمائية.

الساعة 1420:
توقفت المدفعية ذات خط المرور العالي عن قصف النسق الأمامي لخط بارليف ونقلت نيرانها إلى العمق حيث النسق الثاني للعدو. قامت المدفعية ذات ذات خط المرور المسطح بالضرب المباشر على مواقع العدو وذلك لإسكات أية نيران يطبقها العدو على مشاتنا أثناء العبور.

وتحت وابل النيران وعلى صوت النداء (الله أكبر) بدات الموجة الأولى تضرب بأقدامها الأرض باتجاه القناة للعبور للضفة الشرقية, وقبل إعطاء الإشارة بالعبور قفزت إلى الماء بعض القوات في حماس وشحن هائل, قفز الرجال في القوارب وأخذت تجدف بحماسة وقوة باتجاه الضفة الشرقية وكان قوام الموجة 4000 رجل من خلال 720 قارب مطاطي.

في أثناء ذلك أين كانت قوات العدو ؟! كانت القوات تتقهقر وقد تم تفتيت من واجه الضربة الأولى من العدو سواءا من مدرعات أو مدافع أو وسائل مساعدة من رادارات أو مراكز إتصال, وقد ابتلعت النيران المشاة المتواجدون في خارج الحصون وهرب الباقين متقهقرين للخلف وقد تم اصطياد بعضا منهم بمعرفة رجال الصاعقة المصرية وقناصتهم. وظهر أن العدو كان على علم مسبق بوجود هجوم مصري متوقع, ولكن تصوراتهم أنها بالمدفعية فقط وعلى نطاق محدود فكان هروبهم للنسق الثاني من المفاجأة ومن باب الاستعداد لردة الفعل والتي حشدها العدو في الساعة 14:30 ولكن رجال الصاعقة المصرية سبقوهم واحتلوا أغلب المصاطب والمواقع قبلهم وكانت ملحمة رائعة تساوي معركة منفصلة على حدة ! وكانت معركة تكتيكية في الإنقضاض والإلتفاف والمفاجأة انتصر فيها الرجل المصري بلا جدال, حيث تغلب رجل الصاعقة في هذه المعركة بالعقل والذراع على جيش مدجج بمدرعات وحصون ومدافع وفي دقائق معدودة.

الساعة 1430:
وصلت الموجة الأولى من المشاة إلى الشاطىء الشرقي للقناة على صوت الله أكبر - الله أكبر, واحتلت بعض أجزاء الساتر الترابي في تنظيم رائع وثقة. كان كل قارب يحمل معه سلالم حبال وعلامة إرشاد كبيرة تحمل رقم القارب, قام أفراد هذه المجموعة بفرد سلالم الحبال وتثبيتها على الساتر الترابي (1440) سلما, وقد استخدمت هذه السلالم في نقف المدافع ذات العجلات وعربات نقل المعدات ايضا. وقد كانت أرقام القوارب من 1 إلى 720 تحدد مكان وصول القوارب وقد روعي أن تكون المسافات الفاصلة بين القوارب 25 مترا بين كل قارب داخل السرية. والفواصل كانت كالتالي:
25 مترا فاصل بين كل قارب داخل السرية
200 متر فاصل بيم كل سرية وأخرى
400 متر فاصل بين كل كتيرة وأخرى
800 متر فاصل بين كل لواء وآخر

وكانت المسافة بين كل فرقة مشاة وأخرى حوالي 15 كم.
بدأت عناصر المهندسين في العمل في فتح الثغرات في الساتر الترابي باستخدام ضغط المياه وقد اشترك في هذا العمل 70 فصيلة مهندسين معهم 350 مضخة مياه. وكانت هذه الثغرات تفتح في الفواصل بين الوحدات الفرعية.

القوارب المطاطية أخذت تذهب وتعود فيما بين طرفي القناة وفي كل منها رجلان من وحدات المهندسين. وفوقها معركة بالنيران بين دباباتنا وأسلحتنا المضادة للدبابات التي تحتل موقعها غرب القناة وبين دبابات العدو تحاول شق طريقها نحو القناة في عدة نقاط في أول ردة فعل من العدو. بالإضافة إلى رشاشاتنا وجميع أسلحتنا ذات خط المرور المسطح بهدف إسكات المواقع الحية في خط بارليف.

الساعة 1445:
عبرت الموجة الثانية من المشاة للقناة وتبعها الموجات الأخرى بمعدل حوالي 15 دقيقة في توقيتات دقيقة للغاية, وقد بلغ القيادة في هذا الوقت بخسائر بلغت 5 طائرات في عملية القصف الجوي بالطيران.

الساعة 1530:
تمكنت الموجة الثالثة والرابعة من شق طريقها شرق القناة, وهكذا أصبح مجموع الجيش العابر 20 كتيبة مشاة قوامها 800 ضابط و13500 جندي بأسلحتهم المحمولة أو المجرورة. وقد تمكنت قوات المشاة من التقدم لمسافة 200 متر شرق القناة بعدما انتقل العبء تدريجيا عليهم في ردع قوات العدو والتمركز وتثبيت الأقدام في الشرق, كانت العمليات تسير في تلاحق سريع ونجاحا تلو الآخر وخسائر محدودة جعلت نسبة الإطمئنان تزداد بمرور الوقت, وقد بدأت المدفعية في تصحيح مسار القصف تدريجيا وتحديد الأهداف بعد وصول المشاة إلى الشرق, وبمساعدة ضباط المدفعية المرافقة للقوات العابرة تطورت دقة المدفعية لتتمكن من كسح أي تقدم معاد في نطاق ال200 متر شرق القناة.

بدأ الطيران الإسرائيلي في الدخول للمعركة والاشتباك في الساعة 15:00 أي بعد ساعة من الهجوم, وتمكن الدفاع الجوي من ردعه وإسقاط 7 طائرات.

الساعة 1630:
تم الانتهاء من عمل 5 رؤوس كباري بمعرفة المهندسين قاعدة كل منها 6 إلى 8 كم وعمقه 2 كم ويحتل رؤوس هذه الكباري ثلاثون كتيبة مشاة قوامها 1500 ضابط و22000 رجل على هيئة 8 موجات عبرت للشرق.
الدفاع الجوي مستمر في مهاجمة طيران العدو, والمدفعية مشتبكة مع الأهداف المحددة من المشاة في الضفة الشرقية.

الساعة 1730:
أصبح لنا 45 كتيبة مشاة قوامها 2000 ضابط و30 ألف رجل في هيئة 12 موجة عبرت القناة, وأصبح عمق رؤوس الكباري للفرق حوالي 3 إلى 4 كم لكل منها.
لا تزال قواة المشاة تقاوم حصون خط بارليف المخبأة وتسقطها واحدة تلو الأخرى.
قوات الشرطة العسكرية عبرت بالقوارب مع المشاة وبدأت تقوم بعملها بتحديد الطرق والكباري في التعرف على اتجاهها حتى لا تضل الطريق عن تحركها للإنضمام للوحدات الام التي ستقوم بتدعيمها.
بدأت النيران التي تنبعث من خط بارليف تخف وتضعف نتيجة احتلال المواقع وإسكات البعض الآخر, ولكن لاتزال حصون كثيرة تأثيرها محدود أو معدوم لم تزل عاملة في بعض المواقع على الجبهة الطويلة للقناة.
الدفاع الجوي لا يزال مشتبكا مع طيران العدو ومدفعيتنا مستمرة في القصف البعيد على المواقع المعادية ووحدات الكباري والمعديات تعمل بسرعة ونظام على إنجاز المهمات قبل انتهاء اليوم.

الساعة 1830:
وصلت رؤوس كباري الفرق إلى عمق حوالي 5 كم, وقد أصبحت معظم أجزاء خط بارليف محاصرة بقواتنا.
قوات المهندسين مستمرة في فتح الثغرات وتجهيز المطالع على الجانب الآخر وفتحت أول ثغرة في الساتر في الساعة 1830 أي بعد أربع ساعات من بدء عبور المشاة.
قبل هذا بساعة قامت طائرات الهليوكوبتر بإسقاط 4 كتائب صاعقة في عمق العدو وخلف خطوطه في النسق الثاني له في أماكن متفرقة داخل سيناء لعمل مهمات خلخلة وتشويه تشكيلات العدو من الخلف وقطع إمداداته.

الساعة 2030:
المشاة تعزز مواقعها على الشاطىء الشرقي وتقوم بإرسال ضابط اتصال لمخارج المعديات والكباري لاستقبال الدبابات والمركبات وتلقينها واجباتها تبعا لآخر موقف للعمليات. وتم بناء أول كوبري ثقيل.
بدأت الدبابات المصرية تدب أرض سيناء للمرة الأولى منذ بداية المعركة, توغلت الدبابات والأسلحة الثقيلة واحدة تلو الأخرى عبر المعديات بعد إتمام فتح الثغرات وقد أصبح لنا 31 معدية تعمل بين ضفتي القناة.
ولا تزال رشقات المدفعية تهز الساحل الشرقي للقناة بعمق أكبر ودقة أكبر. والدفاع الجوي يتعامل مع الطيران المعادي بكفاءة ودقة.

الساعة 2230:
أتم المهندسون فتح الثغرات وتشغيل معظم المعديات والكباري كالآتي:
1- فتح 30 ثغرة في الساتر الترابي وذلك بتجريف 90000 متر مكعب من الرمال
2- إتمام بناء 8 كباري ثقيلة
3- إتمام بناء 4 كباري خفيفة هيكلية
4- إتمام بناء وتشغيل 31 معدية

تم عمل جميع وسائل العبور الثقيل على كفاءة عالية باستثناء قطاع الفرقة 19 مشاة والتي ظهرت لديها مشكلات غير متوقعة خاصة بطبيعة التربة.
تعرض طيران العدو للكباري المنصوبة ورد عليه دفاعنا الجوي وأسقط له عدة طائرات إضافية ليصبح مجموع ما فقده العدو من طائرات هو 27 طائرة.

الساعة0100 يوم 7 اكتوبر:
قام العدو خلال الليل بهجمات مضادة ونجحت قواتنا المتيقظة في توقع أماكن الهجوم وتدمير مصدرها في وقت قياسي, وتمكن العدو في محاولات يائسة في الوصول إلى خط المياه واستخدام دباباته في تعطيل كوبريين إثنين وتدمير بعض وسائل العبور, ولكن تصدت له قوات المشاة واستخدمت ال RPG والقنابل المضادة للدبابات وقبل الصباح كانت قد تهتكت كل الدبابات المعادية وهرب الباقي مرتدا للخلف مسرعة نحو الشرق, وقد قام المهندسون بإصلاح ما تحطم من أجزاء في الكباري وأعادوا تشغيلها في وقت قياسي آخر يحسب لهم.

وهنا أود أن أعرض نتائج اليوم الأول للمعركة الحقيقية في اكتوبر 73!
1- في صباح السابع من اكنوبر كانت قواتنا قد حسمت المعركة على الجبهة وعلى خط الدفاع الأول للعدو, فقد عبرت أصعب مانع واصعب حصن في التاريخ يكاد يضاهي حصون القسطنطينية مع الفارق في طول ساحل القناة وطول ساحل القسطنطينية وطبيعة الأرض والساحل هنا وهناك, بالإضافة لتقنيات المدفعية والدبابات والتي لم تكن موجودة لدى البيزنطيين في ذلك الوقت. أضف إلى ذلك ميزان القدرة العسكرية التي كانت تميل ناحية الجيش صاحب التحصينات (إسرائيل), ولكن الجيش العثماني المهاجم للقسطنطينية لم يكن بالكثرة العددية ولا يضاهي العتاد العسكري العثماني في هذا الوقت, فكان تفوق العثمانيين في أي ميدان معركة يعبر عن تفوق كاسح, ولكن أسوار وتحصينات القسطنطينية وقتها كانت عامل استراتيجي يغير جذريا في نتيجة أي معركة, وهنا نؤكد على أهمية استغلال الظواهر الطبيعية والموانع الطبيعية أو حتى الإصطناعية في أي معركة, حتى وإن كانت هيكلية أو بغرض المناورة فقط, وهذه نقطة للإستفادة تاريخيا, ومع ذلك كان ينقصنا أن نستخدم استراتيجية استخدام الخنادق والتلغيم باستخدام الخنادق والتي استخدمها العثمانيين وأثبتت فاعليتها مع العثمانيين ولها تأثيرها حتى اليوم ولكن لم يعد يستخدمها إلا أهل غزة الآن والكونت دي مونت كريستو في الماضي !
2- أقل نسبة خسائر في صفوف الجيش المصري وهي نقطة تحسب لنا على مقاييس الدقة والتخطيط والتنظيم وعنصر التوفيق الإلهي عندما تذكر الجنود أن الله أكبر!! فقد كانت الخسائر: 5 طائرات و20 دبابة و280 شهيد وهذا يمثل حوالي 2,5 % من الطائرات و2% دبابات, و0,3 % رجال.
3- تكبيد العدو خسائر فادحة ومؤثرة تأثير الصدمة المدمرة على أي جيش, ففي يوم واحد أو أقل تم سحق ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة كانت تدافع عن القناة, كما خسر العدو حصون خط بارليف بالكامل وانتهت اسطورة الجيش الذي لا يقهر, وتحطمت استراتيجية ونظرية الأمن الإسرائيلي.
4- بالأرقام خسر العدو 30 طائرة و300 دبابة وما يزيد عن 3000 من القتلى من الجنود.

والله المستعان..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق